(فهَدَى) :
حذف المفعول أيضاً لمفيد العموم، فإن كان من التقدير فالمعنى قَدَّر لكل حيوان ما يصْلحه فهداة إليه، وعرَّفه وجْهَ الانتفاع به.
وقيل: هدَى ذكورَ الحيوان إلى وطْءِ الإناث لبقاء النسل.
وقيل: هو المولود حين وَضْعِه إلى مَص الثدي.
وقيل: هدى الناس للخير والشر والبهائم للمراتع.
وهذه الأقوال أمثلة.
والأول أعم وأرجح، فإن هدايةَ الإنسان وسائرِ الحيوانات
إلى مصالحها بابٌ واسع فيه عجائب وغرائب.
وقال الفراء: المعنى هدى وأضل، واكتفى بالواحدة، لدلالتها على الأخرى.
وهذا بعيد.
(فذَكًرْ إنما أنْتَ مذَكَر) ، أي ذَكَرْ كلَّ أحد، (إلا مَنْ تولَّى) ، يئست منه، فهو على هذا متصل.
وقيل: (إلاَّ مَنْ تولى) استثناء من قوله: (لست عليهم بمصَيْطر) .
أي لا تتسلَّط إلا على مَنْ تولى وكفر، وهو على هذا متصل لا نَسْخَ فيه، إذ لا موَادعة فيه، وهذا بعيد، لأن السورة مكية والموادعة بمكة ثابتة.
(فَصبَّ عليهم ربُّكَ سَوْطَ عَذَاب) :
قد قدمنا أنه استعار للسوط العذاب، لأنه يقتضي من التكرار ما لا يقتضيه السيف وغيره، قاله ابن عطية.
قال الزمخشري: ذِكْر السوط إشارة إلى عذاب الدنيا، إذ هو أهون من
عداب الآخرة، كما أن السوط أهونُ من القتل.
(فأمّا الإنسان إذَا ما ابْتَلاَه رَبُّه) :
قد قدمنا أن معنى الابتلاء الاختبار، واختباره تعالى لعَبْدِه لتقومَ الحجةُ عليه بما يبدو منه، وقد كان الله عالماً بذلك قبل كونه.
والإنسانُ هنا جنس.
وقيل نزلت في عتْبة بن ربيعة، وهي مع ذلك على العموم فيمَنْ كان على هذه الصفة، وذكر اللهُ في هذه الآية ابتلاءَه للإنسان بالخير والشر اختباراً وفتْنَة.
(فقدَر عَلَيْهِ رِزْقَه) ، أي ضَيَّقَه.
وقرئ بتشديد الدال وتخفيفها بمعنى واحد.
وفي التشديد مبالغة.
وقيل معنى التشديد جعله على قدر معلوم.