وهذا الخطاب من شعيب لقومه لَمّا قالوا له: (لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) .
فإن قلت: العود إلى الشيء يقتضي أنه فُعل قَبْل ذلك، وهذا محال في حق
الأنبياء قبل الرسالة؟
والجواب أن " عاد " قد تكون بمعنى صار، فلا تقتضي تقدّم ذلك الحال
الذي صار إليه، قاله ابن عطية.
وقال الزمخشري: إن المراد بذلك الذين آمنوا
بشُعيب، وإنما أدخلوه في الخطاب معهم بذلك كما أدخلوه في الخطاب معهم
بقولهم: (لنخرجنَّك والذين آمَنوا معكَ من قريتنا) ، فغلبوا في الخطاب بعود
الجماعة على الواحد، وبمثل ذلك لا يُجَاب على قوله: (إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا) .
فإن قلت: ما معنى هذا الاستثناء من شُعيب مع عِلْمه بعصمته، وأنه لا يعود
فيها، ولا يريد الله ذلك منه؟
والجواب: ما قدمناه من أنَّ الأنبياء يتبرّأون من إسناد الأمور إليهم
ويتأدبون مع الله.
فإن قلت: ما المانع من أنَّ الكفار ادّعوا على الرسل أنهم كانوا قبل البعثة
على ملَتهم وافتروا عليهم ذلك؟
والجواب يمنع منه أنَّ هذا أمر مشاهَد حسيّ، وليس بعقلي، وقالوا في أصول
الفقه: إن عددَ التواتر يقَع في الأمر الحسيّ بخلاف العقلي، فلو أقرَّ عشرون ألفاً بعدَم العالم لما قبِلَ قولُهم بخلاف ما لو أخبر جماعة بقدوم زيد، فإنا نقبلُ قولَهم على الكذب فيه.
وأما الأول فالعقلُ يكذبهم، نعم يحتمل أن يكون العود على
حقيقته لاحتمال كَوْن الرسل لم يُظْهروا لهم قبل البعثة أنهم مخالفون لدينهم، فلما بعثوا إليهم أظهروا المَخالفة.