ومعناه: إن غلبتم قَرَّبْتكم، ورفعْتُ منزلتكم، فهي جزاء.
وورد في الشعراء مفصحاً، ليناسب بزيادتها ما مضَتْ عليه آي هذه السورة من الاستيفاء والإطناب.
(قالوا يا موسى إمّا أنْ تلْقِيَ وإما أنْ نكونَ نحْن الْملْقين) :
(أنْ) هنا في موضع نصب، أي إما أن تفعل الإلقاء.
ويحتمل أن تكون في موضع رفع، أي إمّا هو الإلقاء.
وخَيَّر السحرة موسى في أن يتقدم في الإلقاء أو يتأخر، وهذا فِعْل العَدْل الواثق بنفسه.
والظاهرُ أن التقدّم في التخييلات والمخارق أحجج، لأن بديهتها تمضي في النفوس، فلما أراد الحقّ أن يُظْهرَ نبوءةَ موسى قوَّى نفسه ويقينَه، ووثَّقه بالحق، فأعطاهم التقدم، فبسطوا وسرّوا حتى أظهر اللَّهُ الحق وأبطل سَعْيهم.
فإن قلت: ما معنى اختلاف كل السحرة وتخييرهم في الإلقاء؟
والجواب لأنه كان في موطنين، أو لعله كان قد تكرر منهم، أو لعل بعضَهم
قال هذا وبعضهم هذا، أو لعل المعنى الذي حكي عنهم تعطيه العبارتان، وهذا أقرب شيء لما بين اللغات من اختلاف المقاصد عند الواضع الأول، أو قَصَد الإيهام على الخلاف في ذلك، ومع هذه الإمكانات يسقط الاعتراض رأساً.
(قال فرعون آمنْتم به قبل أن آذَنَ لَكمْ) .
هذا قول فرعون دليل على وَهَن أمره، لأنه إنما جعل إذْنَهم مفارقاً لإذنه، ولم يجعله نفس الإيمان إلا بشرط.
والضميرُ في (به) يحتمل أن يعودَ على اسم الله تعالى، ويحتمل أن يعودَ على موسى عليه السلام، وعنَّفَهم على الإيمان قبل إذنه ثم ألزمهم
أن هذا كان من اتفاق منهم، فقال لهم موسى: إن غلبتكم أتؤْمنون بي، فقالوا له: نعم، فعلم بذلك فرعون، فلهذا قال: (إن هذا لمكر مَكَرْتموه) ، أي صنيع صنعتموه في مصر، لتستولوا عليها، فلسوف تعلمون ما أفْعل بكم.
فإن قلت: ما وجْهُ إظهار اسم فرعون في هذه الآية، وحذفه من طه؟