الرسول إلى الملك فقصَّ عليه مقالةَ يوسف، فرأى عِلْمَه وعَقْله، فقال: ائتوني به.
(قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ) .
لما أمر الملكُ بإخراج يوسف من السجن وإتيانه إليه أراد يوسف أن يبَرِّئَ نفسه مما نسِب إليه مِن مرَاوَدة امرأة العزيز عن نفسه، وأنْ يعلمَ الملك وغيره أنه سُجن ظُلْما، فذكر طرفاً من قصته لينظرَ الملك فيها، فيتبين له الأمْر، وكان هذا الفعل من يوسف صبرًا وحلماً، إذ لم يُجِبْ إلى الخروج من السجن ساعةَ دعِي إلى ذلك بعد طول المدة.
فإن قلت: قد قال سيدنا - صلى الله عليه وسلم -:
" رحم الله أخي يوسف، لو لبثت في السجن ما لبث فيه لأجبت الداعيَ ".
وهذا يقتضي أن الإجابةَ أولى من الْمكْثِ فيه؟
والجواب أن هذا عنه - صلى الله عليه وسلم - على جهة الْمَدْح ليوسف والتواضع منه - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فصَبر يوسف في السجن فيه فوائد، منها: إظهار منزلته عند الملك وتبرئته مما قِيل، وليزدادَ منزلةً عنده فيصير سائساً للدولة وحافظاً، ألا تراه كيف قال:
(اجعَلْني على خزائنِ الأرضِ إنَّي حفيظٌ عَلِيم) ، وإنما طلب
منه الولاية شفقةً على عباد الله، ورغبةً في العدل، وإقامة الحق والإحسان إلى
الضعفاء من عباد الله، لأن هذا الْمَلِكَ كان كافراً فأسلم لمَّا رأى من حسن
سيرته، وكَمْ له في هذه الولاية من المصالح الدينية والدنيوية، والمراد بخزائن
الأرض أَرض مصر، لأن الملك لم يملك غيرها، فتأسَّ يا محمدي بهذه الأخلاق
الكريمة، واجتهد في إصلاح هذه الأمة: وَقِّرْ كبيرهم، وارحم صغيرهم، وتجاوَزْ عن مسيئهم، ألا ترى الصدِّيقَ لم يذكر امرأة العزيز مع ما كان منها من الإساءة، بل ذكر النسوة اللاتي قطَّعْنَ أيديهنَّ، وعفا عن إخوته فما صدر منهم، هكذا أولو العَزْم في معاملتهم مع أمّة نبيهم، تعلموا منه الصفْحَ والإحسان، فعامَلُوا أمته بسَتْرِ ذوي العصيان والدعاء لهم بالرحمة والإحسان، راجين بذلك معاملةَ الله لهم، وكما تَدِين تدَان.