فإن قلت: الوصفُ الأخصّ هو القرآن، والذكْرُ وصف أعمّ، فلِمَ عَبَّروا
بالأعَمّ دونَ الأخص؟
والجواب أنه في التعبير بالأخص تنبية وتذكير بالمعجزات التي ورد بها
القرآن، وهم مقصدهم تعمية ذلك وإخفَاوه.
وانظر الى المثل السائر: ذكَّرْتني الطعنَ وكنْتُ ناسياً.
فإن قلت: هل أرادوا اتّصافَه بالجنون، لما جاء به من الوحي إلى الذين
يسترقون السمع؟
فالجواب أنهم أرادوا أن به جنوناً يصحبونه بدليل قوله تعالى: (أم يقولون
به جِنَّة) .
(بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) :
هذا الإضراب منهم إضراب انتقال، لأنهم أضربوا عن مفهوم قولهم: (سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) ، لأن مفهومه أنَّ باقي جسدهم لم يسكر، وما زال صحيحاً، فأضربوا عن هذا المفهوم، وقالوا: بل جميع ذواتنا مسحورة، ولو كان إضراب إبطالِ للزم عليه أن تكون أبصارُهم غير مسحورة، وليس ذلك مرادهم، وقوله: (إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) ظاهره كالمناقض لقوله: (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) .
فإن قلت: ما أفاد قولهم (قَوْمٌ) ، ولو قالوا: بل نحن مسحورونَ لاستقلّ
الكلام؟
فالجواب أنه أفاد الإخبار بكمال عبادتهم، وأنهم جماعة كثيرون، وتعدّدُ
الأشخاص مظنة التفطن والفَهم، ومع هذا فكلُّهم يتعامَوْن وتعمُّهم الضلالَة ولا يهتدون إلى الإيمان به بوَجهٍ.
(قال رَبِّ بما أغْوَيْتَنِي) :
قد قدمنا معنى الإغواء.
واعترافه بالربوبية يُفهم منه أنَّ كفْرَه كان باعتراضه على الله في أمره بالسجود لآدم.
وقدمنا أيضاً أن الفاء لم تدخل في الحجر كما في الأعراف، اكتفاءً