التقدير عن اليمين قَعِيد وعن الشمال قَعِيد من (المُتَلَقَيَانِ) ، فحذف أحدهما
لدلالة الآخر عليه.
وقال الفراء: لَفْظُ (قَعيد) يدل على الاثنين والجماعة، فلا يحتاج إلى حذف، وذكر جماعة ٌ عن مجاهد أن (قَعِيد) اسم كاتب السيئات.
(قاصِرَات الطَّرْف) :
معناه أنَّ الحُورَ العِين يقصرن أعينهن على النظر إلى أزواجهن، فلا ينظرن إلى غيرهم.
(قالوا لولا نزل هذا القرآنُ على رَجُل من القَرْيَتَيْنِ عَظيم) :
لم يكْفِ قريشاً معَانَدتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل ضموا إليه مكابرتهم والاستخفاف بكتابِ الله وشرائعه والاحتكام على حكمة الله في تخيَّر - صلى الله عليه وسلم - مِن أهل زمانِه.
ومعنى القريتين: مكة، وعَنَوْا بالرجل منها الوليد بن المغيرة.
وقيل عتبة بن ربيعة.
والأخرى الطائف، وعَنَوْا بالرجل منها عروة بن مسعود.
وقيل حبيب بن عُمير.
ووصفوه بالعظمة لكثرة ماله، فأنكر اللهُ عليهم اعتراضَهم
وتحكُّمهم، وأن يكون لهم التدبير لأمر النبوءة بقوله: (أهُم يَقْسمون رحمةَ
رَبِّك) ، والتخير لها مَنْ يصلح لها ويقوم بها والمتولِّين لقسمة
رحمةِ الله التي لا يتولاها إلا هو بباهر قُدرته وبالغ حكمته، ثم ضرب لهم مثلاً
فأعلَم أنهم عاجزون عن تدبر خُوَيصة أمْرِهم وما يصلحهم في دُنْياهم، وأن الله عزّ وعلا هو الذي قَسم بينهم معيشتَهم وقدَّرها ودبَّر أحوالَهم تدبير العالم بها، فلم يُسَوِّ بينهم، ولكن فاوت بينهم في أسباب العيش، وغاير بين منازلهم، فجعل منهم أقوياء وأغنياء، ومحاويج وضعفاء، وموالي وخدماً، ليصرّف بعضهم بعضاً في حوائجهم، ويستخدموهم في مهنهم، ويسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشوا ويتوافروا، ويصلوا إلى منافعهم، ويحصلوا على مرافقهم، ولو وَكَلَهُم إلى أنفسهم، وولاَّهُم تدبيرَ أمرهم لضاعوا وهلكوا، فإذا كانوا في تدبير المعيشةِ الدنيَّةِ في هذه الحياة الدنيا على هذه الصفة فما ظَنُّك بهم في تدبير أمْرِ الدين الذي هو رحمةُ اللهِ الكبرى ورَأفَتُه العظمى، وهو الطريقُ إلى خيار حظوظ الآخرة والسُّلَّم إلى حلول دار السلام.