الناس، إذ لا تجد من يتقيأ من سماع صوت الحمير أو الكلاب، ولو سمعته إثر
سماعك أفصح كلام وأعذبه، فكيف نسبة كلام الخلق إلى كلام الخالق الذي
جلّ عن المثل في ذاته وصفاته وأفعاله.
وقال أيضاً رضي الله عنه: دخلت مسجد نبيء بالإسكندرية بالديمان، فوجدت النبيء المدفون هناك قائماً يصلي، عليه عباءة مخططة، فقال: تقدم فَصَلِّ!
قلت له: تقدم أنت فَصَلِّ.
قال: إنكم من أمة نبيء لا ينبغي لنا التقدم عليه.
قال: قلت له: بحق هذا النبي - وقد وضع فمه على فمي إجلالا للفظة النبي كي لا تبرز في الهواء - قال: فتقدمت وصليت.
فانظر إلى هذا المصاب الحالّ بنا في عدم احترامنا لذكر هذا الرسول
والكتاب المنزل عليه، فقف به على قدم الاعتذار، واكشف رأس التَجَبّر
والاستكبار، ونادِ بلسان الاضطرار: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) ، لعلك تسمع كلامه إذ
تشفعتَ إليه بكلامي فأنت من المقبولين، وتنال بذلك الفوز مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصِّدِّيقين، وحاشاك نسيان أخيك الجالب لك من أسرار كلامه تعالى ما تزيد فيه حلاوته والنظر فيه يزيدك لى محبة.
*******
(من وجوه الإعجاز)الوجه الأول من وجوه إعجازهوكيف لا وقد احتوى على علوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب، ولا
أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة وأحرف معدودة.
قال تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكتَاب مِنْ شَيْء) .
وقال: (وَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْكتَابَ تِبْيَاناً لكلً شيْء) .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ستكون فتن.
قيل: وما المخرج منها، قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم.
أخرجه الترمذي وغيره.
وأخرج سعيد بن منصور، عن ابن مسعود، قال: من أراد العلم فعليه
بالقرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين.