وقرئ: واتخاذ سبيله، فهذا مصدر معطوف على الضمير في (أن أذْكرَه)
(سَرَابِيلهم مِنْ قَطِران) ، بفتح القاف وكسر الطاء.
وبفتحهما وبسكون الطاء، وإنما جعل قُمص أهلِ النار من القَطران، وهو الذي تهنأ به الإبل، لأن للنار اشتعالاً شديداً.
فإن قلت: ما فائدة الإتيان بِمنْ، وقد كان يستغنى عنها؟
فالجواب أن فائدة الإتيالن بها نَفْيُ توهّم مجاز التشبيه، نحو زيد أسد.
وكقوله عليه السلام في صحيح مسلم: "إنَّ أحدَكم لا يزال راكباً ما انتعل".
ففرْق بين خاتم فضة ومِنْ فضة، فإن الأول يحتمل أنه تشبيه محذوف الأداة، والثاني نص لا يتطرق إليه احتمالٌ ألبتَّة.
وقد يقال: إن الإتيانَ بها هو الأصل، لأن الإضافةَ في مثله على معنى مِن.
نحو ثوب خز، وإنما يُستغنى بذكرها مع الإضافة، ولما تعذرَت الإضافة هنا
بإضافة السرابيل إلى ضمير المحدّث عنهم تعين الإتيان بها رجوعاً للأصل.
لتدل على التبعيض المقصود مِن هذا التركيب.
وفائدة قصْدِه هنا الإعلام بأن هناك قَطراناً غَيرَ ما جعل من السرابيل، ليصبّ عليه، فيزداد اشتعال النار - بذلك، أَو تجدد منه السرابيل إن ذهبت الأولى بذهاب الجلودِ التي طليت بما شبّه منه بالسرابيل: (كلما نَضِجَتْ جلودهم بدَّلْناهم جلوداً غيرها) .
أو يسوقونه فتحترق أفئدتهم كلما أَحرقَت جلودَهم (نار الله الموقدة التي تطَّلِع على الأفئدة) ، أو لغير ذلك، ولو لم تذكر (مِن) لما غم أنَ هناك منه غير ما جعلت السرابيل إلا بدليل آخر.
نَظير ما ذكرناه من فائدة قصد التبعيض هنا قوله - صلى الله عليه وسلم - في حكاية عن قول
إبراهيم: (فاجعَلْ أفئدةً من الناس تَهْوِي إليهم وارْزقْهم من الثمرات) ، ولا يتأتى السربال حقيقة من القَطران إلا بأنْ تبدّل صفته من
المائعية إلى التجمد، وحينئذ يكون إخباراً، بخلاف الْمَعْهود منه.
ويشبه على هذا