ونزلت عام الفتح حين ظفر المسلمون بأهل مكة، فأرادوا أنْ يَسْتَأصِلوهم
بالقتل، لأنهم كانوا قد صدّوهم عن المسجد الحرام عامَ الحدَيبية، فنهاهم اللَه عن قَتْلهم لعلمه بأنهم يؤمنون.
(شَهَادَةُ بَيْنِكم) :مرفوعٌ بالابتداء، وخبره اثْنَانِ.
التقدير شهادة بينكم شهادة اثنين، أو شهادة " آخران " على أن تكون إذا
بمنزلة حين لا تحتاج جواباً.
ويجوز أن تكون شرطية، وجوابها محذوف يدلُّ عليه ما تقدم قبلها، فإن
المعنى إذا حضر أحدَكم الموتُ فينبغي أن يَشهد.
وسبب نزول الآية أنَّ رجلين خرجا إلى الشام، وخرج معهما رجلٌ آخر
لتجارة، فَمرضَ في الطريق، فكتب كتاباً قَيَّدَ فيه كُلَّ ما معه، وجعله في
متاعه، وأوصى الرجلين أن يؤَدِّيَا رَحْله لورثته، فمات فقدم الرجلان المدينة، ودفَعا رَحْلَه إلى ورثته، فوجدوا فيه كتابه، وفقدوا منها أشياء قد كتبها.
فسألوهما عنها، فقالا: لا ندري، هذا الذي قَبضْناه، فرفعوهما إلى رسول اللَه - صلى الله عليه وسلم -، فاستحلفهما، فبقي الأمْرُ مدةً، ثم عثر على إناءٍ عظيم من فضة، فقيلَ لمَنْ وجده عنده: مِنْ أين لكَ هذا، فقال: اشتريتُه مِن فلان وفلان - يعني الرجلين، فارتفع الأمرُ في ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمر رجلين مِنْ أولياء الميت أن يَحْلِفَا، فحلفا واستحقَّاه، فمعنى الآية: إذا حضر الموتُ أحداً في السفَر فليشْهد
عَدْلَين بما معه، فإن وقعت رِيبةٌ في شهادتهما حلفا أنهما ما كذبا، ولا بَدَّلا، فإن عُثِر بعد ذلك على أنها كذَبا أو خانا حلف رجلان من أولياء الميت، وغَرِمَ الشاهدان ما ظهر عليهما.
قال مكي: هذه الآية أشكلُ آية في القرآن إعراباً ومعنى وحكماً، وتلخيصها
ما ذكرناه.
(شك) :الشك تَجويز أمرين لا مَزِيَّة لأحدهما على