دليلاً على وجود الصانع، فلِمَ عطف عليه: (وله الدين) ، وهو لا يحسن أن
يكون دليلاً على وجود الصانع، لأنه إنما يستدلّ على وجوده بخلقه لا بالأحكام والشرائع التي كُلِّفوا بها، لأنها مسببة عن ذلك، فلو كان العطف بالفاء لصح لأنها تدل على السببية؟
والجواب: بأن المراد من بعد خلقه للعالم، فما من زمانٍ يأتي إلا وهو معبود
فيه مطَاع، تَعْبده الملائكة وبعض الناس، فهذا يدل على صحة وجوده.
واستدلوا في علم الكلام على وجود الصانع بطريقين: إما حدوث العالم، وإما إمكانه، لأن الممكن لا بدّ له من مخصص يوقعه على أحد الجائزين، وطريق الاستدلال بالحدوث يستلزم الإمكان، لأنَّ كلَّ حادث ممكن، وليس كل ممكن حادثا؟
فإن وجود حجر من زيبق أو من ياقوت ممكن، وليس هو بحادث، إذ المراد
الحدوثُ بالفعل، وهذا الجواب إنما يتم على قول مَنْ فسر الواصب بالدائم.
(واللَه خلقَكم ثم يَتَوَفَّاكمْ) :
قد قدمنا أن الخلق أبلغ من الوجود، ولما قدم في الآية التي قبلها التذكير بقدرة الله، وما اشتملت عليه من الآيات والحكم - عقبه ببيان قدْرته في خَلْق الإنسان، وفي خلق أنفسكم.
وأسند فعل التوفي هنا لله تعالى، وقال في سورة السجدة: (قل يَتَوَفَّاكم مَلَك الموت) .
والْجَمْعُ بينهما ينتج صريحَ مذهب أهل السنة القائلين بالكسب.
فإن قلت: لم قال: (ومنكم من يُرَدُّ) ، بحذف الفاعل، وقال
يتَوَفَّاكم - فذكر الفاعل؟
والجواب: أنه إذا كان المقصود الإشعار بالفعل على الإطلاق يحذف الفاعل.
كقولك رأى الهلال، وإن كان المقصود الإخبار بفاعل الفعل يذْكر، كقولك
طَعَن عمر غلام المغيرة، ولما كان التوفي قد خالفوا فيه، وقالوا: ما يهلِكنَا إلا الدهر - ذكر فاعله، بخلاف الرد إلى أرذل العمر، فإنه أمْر ظاهر لا يحتاج إلى ذِكر فاعله.