والثاني أن ذلك من باب التمثيل، وأن أخْذ الذرية عبارة عن إيجادهم في
الدنيا.
وأما إشهادهم فمعناه أن الله نصب لبني آدم الآيةَ على ربوبيته، وشهدتْ
بها عقولهم، فكأنه أشْهَدهم على أنفسهم، وقال لهم: ألَسْتُ بربكم، فقالوا بلسان واحد: بلى، أنْتَ ربنا.
والأول هو الصحيح، لتَوَاتر الأخبار به، إلا أن ألفاظَ الآية لا تطابقه
بظاهرها، فلذلك عدل عنه مَنْ قال بالقول الآخر، وإنما تطابقه بتأويل، وذلك أَن أخْذَ الذرية إنما كان من صلْب آدم، ولفظ الآية يقتضي أن أخْذ الذرية من بني آدم.
والجمع بينهما أنه ذكر بني آدم في الآية والمراد آدم، كقوله:
(ولقد خَلَقْنَاكم ثم صَوَّرنَاكم) .، الآية، على تأويل لقد
خلقنا أباكم آدم من صورته.
وقال الزمخشري: إن المراد ببني آدم أسلاف اليهود، والمراد بذريته مَنْ كان في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم.
والصحيح المشهور أن المراد جميع بني آدم حسبما ذكر.
وفي الحديث: إن أول من أجاب الأنبياء، ثم العلماء سمعوهم فأجابوا، ثم العامة، ثم الكفار، فكلهم أقَرّوا له بالربوبية.
(وإنْ تَدْعوهم إلى الْهدَى لا يسْمَعوا) :
يحتمل أن يريد الأصنام، فيكون تحقيراً لها وردًّا على مَنْ عبدها، فإنها جماد مَوَات لا تسمع شيئاً، أو يريد الكفار، ووصفَهم بأنهم لا يسمعون، يعني سمعاً ينتفعون به لإفراط نفورهم، أوْ لِأنَ اللهَ طبع على قلوبهم.
(وتَرَاهم ينظرون إليكَ) :
إن كان هذا من وصْفِ الأصنام فهو مجاز، وقوله: (لا يُبْصِرون) حقيقة، لأن
لهم صورة الأَعين وهم لا يبصرون شيئاً.
وإدْ كان مِن وَصْف الكفار فينظرون حقيقة، ولا يبصرون مجازاً على وَجْه المبالغة، كما وصفهم بأنهم لا يسمعون.
(وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ)