وذلك أنَّ عير قريش أقبلَتْ من الشام فيها أموال عظيمة، ومعها أربعون راكباً، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين، فسمع بذلك أهْلُ مكة، فاجتمعوا وخرجوا في عَدَدٍ كثير ليمنعوا عيرهم، فنزل جبريل، وقال: يا محمد، إنَ الله يَعِدُكم إحْدَى الطائفتين، إما العير وإما قريشا، فاستشارهم - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: العير أحبُّ إلينا من
لقاء العدو، فقال: إن العير قد مضت على ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل، فقال له سعد بن عبادة: امضِ لما شئت، فإنا متبعوك.
وقال سعد بن معاذ: والذي بعثك بالحق لو خضتَ هذا البحر لخضناه معك.
(ولِيَربِطَ على قلوبكم ويثَبِّتَ به الأَقْدام) :
لما عدم الصحابة الماء قبل وصولهم إلى بدْر أنزل الله عليهم الماءَ فتطهَّروَا به، وثبتت قلوبهم بزوال ما وَسْوس لها الشيطان من عدم الماء لوضوئهم وغسلهم، وأزال عنها الكسل، وكانوا في رملة دَهسَة لا يثبت بها قَدم، فلما نزل المطر تلبَّدَت، ولبَّدَت الطريق، وسهل المشي والوقوف.
وروي أنَّ ذلك المطر صعب الطريق على المشركين، فكان فيه لطف من الله، فلذلك عدَّدَه من نعمه عليهم.
(وإنْ تعودوا نَعدْ) :
أي إنْ تعودوا إلى الاستفتاح والقتال نعد لقتلكم والنصر عليكم.
(ولا تَوَلَّوْا عنه وأنْتم تسمعون) ، أي القرآن والواعظ.
(وإذ يمكر بكَ الذين كفَروا) .
عطف على (إذ أنْتم قَليل) ، أو استئناف، وفيها إشارةٌ إلى اجتماع قريش
بدار النّدْوة.
قال الثعلْبي: كانوا اثني عشر رجلا دخلوا الدارَ، ودخل معهم إبليس لعنه
الله على صورةِ شيخٍ في يده عصاه، فقال له أبو جهل: إنَّا قد اجتمعنا في تدبير أَمرِ خفيّ، فارجع أنْتَ يا شيخ.
فقال إبليس: إني شيخ من أرض نجْد رأيت الدهور، وكرَّت الأمور عليَّ، أنا أعلم مصالح التدبير وموافقة التأويل والتفسير، فأدخلوني معكم لعلي أنبئكم بتأويله.
وإنما نسَب نَفْسَه لنَجْد، لأنهم قالوا: