(وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا) :
هذا من قول قوم صالح، أخبروه أَنهم في شك من أَقاويله، وأن ذلك الشك يرتابون به زائدًا إلى مرتبته من الشك، ولا فَرْق بين هذه الحال وحالة التصميم على الكفر، وإنما أثبتوا النونين الداخلين للتأكيد، وأفرد الضمير في (تَدْعُونَا) ، وألحقه في سورة إبراهيم، لأنها واردة على الأصل في اتصال الضمير المنصوب بها.
ثم يجوز حذْف إحدى المضاعفين تخفيفاً، فتقول: إنا، فتكتفي بالضمير عن النون المحذوفة، وذلك من فصيح كلامهم.
والأصل الأول.
(وأخذ الذين ظَلَمُوا الصَّيْحَة فأصْبَحوا في دِيَارهم جَاثمين) :
إنما ذَكَّرَ الفعل المسند إلى الصيحة، لأنها بمعنى الصياح وتأنيثها غَيْرُ حقيقي.
وقيل جاز ذلك وهي مؤنثة لما فصل بين الفعل وبينها كما قالوا: حضر القاضي اليوم امرأة.
والأول أصوب.
وإنما أسقط تاء التأنيث من هذه القصة وأثبتها في قصة شعيب، لأنه على ضربين: حقيقي، وغير حقيقي، فالحقيقي لا تحذف تاء التأنيث من فعله غالباً إلا أن يَقَع فصل، نحو قام اليوم هند، وكلما كثر الفصل
حسن الحذف.
ومن كلامهم، كما قدمنا لو الإشارة مع الحقيقي ما لم يكن جَمْعا.
وأما التأنيث غير الحقيقي فالحذْفُ فيه مع الفصل حسن، قال تعالى: (فمَنْ
جاءَه موعظة من ربه) ، وهو كثير، فإن زاد الفصل أزداد حسناً، والحذف والإثبات هنا جائزان، فجاء الفعل في هذه الآية على الوجه الأول، وفي قصة شعيب على الوجه الثاني، جَمْعاً بين الوجهين، إذ الآيتان في سورة واحدةٍ، وتقديماً للأولى على ما ينبغي، وهذا ما لم يكن الفاعل ضمير
مؤنث فله أحكام تخصه. والله أعلم.
(ولما جاءَتْ رسلنا لوطاً) :
قد قدمنا أنه أعاد الضمير، لظَنِّه أنهم من بني آدم وخوفه عليهم من قومه، وقوله لهم: (لو أن لي بكم قوة) .
ولما قالها قالوا له: إنَّ رُكْنَك لشَدِيد.