(وإمَّا نرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهم) .
الآية: تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - ووَعْدٌ له بتعذيبهم.
ومعناها إمّا نرِيَنَّكَ بعضَ ما ينزل بهمِ من العذاب فلا تَتَوهم أنَّ عليك في ذلك شيئاً، لأنك إنما عليكَ البلاغ، وقد بلّغْتَ، أوْ نتَوفّاكَ
قبل رؤيتك ذلك فعلينا حسابهم، لأنهم إذا عذّبوا بعد وفاته انتفى التوَهُّم.
فإن قلت: هل هذا وعْد له - صلى الله عليه وسلم - بتعذيبهم أو وَعيد، فأطلق الوعد على الوعيد؟
والجواب أنهما اجتمعا في هذه الآية، وآية الزخرف أبلغ لأن قوله تعالى: (أوْ نرينكَ الذي وَعَدْناهم) ، اقتضت رؤيته بعض عذابهم.
وهو ماينزل بهم في الدنيا قَبْل وفاته، وكان بعضهم يقول:
الوعد بالإحسان أو بالنصرة على الأعداء من السلطان أو الرجل ذي الهيبة ليس كالوَعْد ممن دونه، لأنَّ الأول يحصل منه كمال الطمأئينة والركون.
فإن قلت: ما الفائدة في تأكيد الآيتين بالنون مع أن أحدها محقّق الوقوعِ
لا شك فيه، وإنما المُهمّ تعيين الواقع منهما؟
والجواب: أَنَ التأكيد راجع للجزاء لا للشرط.
فإن قلت: إنما هو في الشرط فقط، فاعلم أنَّ الشرط والجزاء مرتبطان، ألا
تَرى أن القائل: إنْ قام زيد فأنا أكرمه - يحسن أن يقال له صدقت أو كذبت، والتصديق والتكذيبُ إنما هو للجزاء لا للشرط.
(وهوَ سَرِيعُ الحساب) :
سرعة حسابه إما باعتبار قرْب أوانه أو قِصر زمانه وقلة مكثه.
وقال ابن عطية في سورة آل عمران عن مجاهد:
يحتمل أنَّ المرادَ بسرعة الحساب أنَّ الله تعالى لإحاطته بكل شيء علماً لا يحتاج إلى عدول أو فكرة.
ويستدلّ بها أنَّ الله سبحانه يحاسب آلاف آلاف في وقتٍ واحد من غير علم أحدهم بالآخر، وهذا مشاهَدٌ في رؤيته - صلى الله عليه وسلم - في أقطار شتى على هيئات مختلفة، ورؤية أموات في أقطار الأرض لمنكر ونكير في وقتٍ واحد هذا يقع له التبشير بقولهم، وآخر يضربانه ضربةً يشتعل منها قَبْرُه ناراً.