فإن قلت: لأي شيء أضاف الربّ للمخاطب، والأصل إضافته إلى المتكلم.
فيقال: ربّنا؟
والجواب: أنه لا طلب منهم الشكر أتاهم بأحد موجباته، وهو اللفظُ الدالُّ
على الترقي والحنان، وأضافَهُ إليهم ليكونَ آكدَ في الشكر.
وأما هو فشكره حاصل، ومعرفته بذلك مستقرةٌ ثابتة.
(وإنّا لفِي شَكٍّ) :
قد قدمنا في قصة صالح أنَّ الشك هو التردد بين أمرين.
فإن قلت: قد قال في سورة هود: (قالوا يا صَالحُ قد كنْتَ فِينا مَرجُوًّا) ، فلم حذفه هنا؟
والجواب: لتكرارها في (تدعوننا) ، ولم يحذفها لعدم تكرارها في تدعوننا، لأنه خطاب لصالحٍ وحْدَه، فهو ضمير مفرد.
فإن قلت: كيف جزموا أولاً بالكفر، ثم قالوا: (وإنا لفي شَكٍّ) ، والشاكَّ غير حاكم بشيء فضلاً عن أن يكونَ جازِماً به؟
والجواب: أنَّ بعضهم قالوا: إنا كفَرْنَا، وبعضهم قالوا: إنا لفي شك.
أو يجاب باحتمال أنْ يريدوا بالأول قسم التوحيد، وبالثاني قسم الشرائع والأحكام.
أو باحتمال العكس.
أو يراد إنَّا كفرنا بما أرسلتم به من حيث الجملة.
وإننا لفي شكٍّ في الرسل بدليل قوله: (أفِي اللَهِ شَك) ، فهم كفروا باللهِ
وكفروا بما جاءت به الرسل من عنده.
وقد قدمنا أنَّ قَوْلَ الرسل: (أفي اللهِ شَكٍّ) إشارة إلى تقليل الشكِّ، أي لا يتصور أن يقعَ شكّ في الله بوَجْه وإن قل، فإذا أنكروا أنْ يكونَ أمر الله حيِّزاً للشك مع قلَّته فأحْرَى أنْ يكون الشكّ حيَزًا مع كثرته.
(وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) :
لما كان وجود اللَهِ أمْراً نظريا ليس بضروري، وكون الرسل مثلهم أمراً ضرورياً لا يحتاج إلى