التحريض على قتالهم، لأنهم يتألون من ملاَقاتكم، ومع ذلك فإنكم ترْجون إذا قاتلتموهم النصر في الدنيا والأجْرَ في الآخرة، وهذا كقوله تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا) .
(يتِيهُونَ في الأرض) .
أي في أرض التيه، وقد قدمنا أنها بين مصر والشام، وكانوا يسيرون النهارَ والليل، ويجدون أنفسهم في الموضع الذي ارتحلوا منه مساء وصباحاً عقوبةً لهم على ما صدر منهم.
(يَسْتَفْتونَك) .
أي يسألونكَ عن الحكم الشرعي على وَجْه النظر.
والمستفتي هو المستَخْبِر عن الحكْم الشرعي على غير وَجه النظر، فكلَّ
مستفتٍ مستخبر، وليس كل مستَخْبر مستفتياً، لأن السائل على وَجْه النظر
مستخبر، وليس بمستفتٍ في عُرف الفقهاء.
(يعْصِمُكَ من الناس) .أي يحفظك، وفي هذا وعْدٌ وضمان لعصمةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه كان محترس من أعدائه، فلما نزلَتْ أخرج رَأسَه
من البيت الذي كان فيه، وقال: اذهبوا فقد عصمني الله، فكلّ ما أصيب به قبل نزول الآية، وأما بعد نزولها فلا، فالعصمة للأنبياء، - والحفظ للأولياء.
(يَا أهْلَ الكتابِ لسْتم على شيء) :
من فَضْلِ هذه الأمة المحمدية أنَّ اللهَ خاطبهم بالإيمان، وخاطب أهْلَ الكتاب بكتابهم، ففي الأولى جَمَعَ الله أوصافَ المؤمنين ونعوتهم ومعانيهم في هذا النداء، لأنه لم تَبْقَ حسنةٌ إلا دخلت تحته، وفي الثاني إهانة وتوبيخ، ألا ترى أنه قال لهم: (لَسْتم على شيء) ، أي على دين يُعتدُّ به حتى تقيموا التوراةَ والإنجيل، ومن إقامتها الإيمانُ بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: (وما أنْزلَ إليكم) .
قال ابن عباس: يعني القرآن، ونزلت الآية بسبب رافع بن حارثة، ورافع بن حريملة.
وسلام بن مشْكم، وغيرهم من اليهود، جاءوا إلى رسولِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إنا نتبع التوراة ولا نتبع غيرها، ولا نؤمن بك ولا نتبعك.