وإن أعرضت عنها في بعض أوقاتك فما أسرع نَكْث العهد في رجوعك
إليها، أما سمعتَ قول الصادق المصدوق: نحن أمةٌ ليس لنا مثل السوء
" الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ ".
فافهم إن كنت ذا فَهْم، والسلام.
ووَجْهُ تشبيه ذلك الرجل به أنه إنْ وعظْتَه فهو ضالّ، وإن لم تَعظْه فهو
ضالّ، فضلاَلَتُه على كل حال، كما أن لهث الكلب على كل حال.
وقيل: إن ذلك الرجل خرج لسانُه على صدره، فصار مِثْلَ الكلب في صورته ولهثه حقيقة، وهذه حالُنا لولا أنْ مَنّ الله علينا بني عظيم يشفع فينا لكنّا أعظم من هذا، وكيف لا وفِعْلُنا أعظم، وجرائمنا أجسم، لكن سيئات المحبوب حسنات، اللهم كما سترتها علينا بجاهه عندك اسْتُرْها علينا في الآخرة.
(يَمْشُونَ بِهَا) :
أخبر اللهُ بهذه الآية عن اعتراف المشركين أنَّ أصنامَهم لا تمشي ولا تَبْطش ولا تسمع ولا تُبْصر، فقال لهم: كيف تعبدونها، وبين بها كفرهم وإعراضهم عن عبادة المتصف بالسمع والبصر والقدرة والإرادة، فتعالى الله الملك الحقَّ لا إله إلا هو.
(يَتَولى الصَّالِحين) ، في أقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم.
ومَنْ كان لله كان الله له، ومَنْ راقب يراقب، ومَنْ غفل غفل عنه.
أنْتَ تريد وهو يريد، فإنْ تركتَ مرادَك لمراده أنَالَكَ ما تريد، كيف تطلب خرق العوائد وأنتَ لم تخرق من نفسك العوائِد.
(يَنْزَغَنَّك من الشيطان نَزْغٌ) :
قد قدمنا أن الخطاب بهذا لأمته، إذ الإجماعُ على عصمته، ونَزْغ الشيطان: وَسْوسته، والأمر بالمعاصي، وتحريك الغضب، وفي هذا من التعليم لأمته بوجوده - صلى الله عليه وسلم - ما يعجزُ اللسان عن شكره، وكيف لا وقد بَين لنا - صلى الله عليه وسلم - كيفيَة الفعل إذا اعْتَرَانا هذا
اللعين بقوله: إن كان قائماً فليجلس، وإن كان جالسا فليضطجع، ويستعيذ بالله من شره.
وفي حديث آخر لما رأى رجلا اشتدّ غَضَبه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يَجِد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".