تبشيري برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، وأن ديني التصديق بكتاب الله
وأنبيائه جميعا ممَّنْ تقدّم أو تأخّر.
فإن قلت: لمَ لمْ يقل: يا قوم، كقول موسى عليه السلام: (يا قومِ لم
تُؤْذُونَني) ؟
والجواب أنَّ عيسى عليه السلام لما نسبَ له فيهم، فيكونوا قومه، إذ لم يكن
له فيهم أب.
فإن قلت: لم جاء قولُ عيسى عليه السلام فيما يرجع إلى التوراة بلفظ
التصديق، وفيما يرجع إلى النبي عليه السلام بلفظ البشارة، ولِمَ قال: (مصدقاً) بالتوراة ولم يقل بموسى؟
قلت: المراد أنْ يخبر عليه السلام بأنه مصدّق بمَنْ تقدم وتأخر من رُسله
وكتبه، فجاء لفظُ التصديق بالتوراةِ على الأمر المقصود، والتصديق بالتوراة
يستلزمُ التصديقَ بمَنْ جاء بها، وكأنه نزَّهَ الرسولَ الذي جاء بها عن أن يُسْتَراب برسالته حتى يحتاج إلى مَنْ يصدقه ممن هو مثله.
ولما كان مجيء محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أمراً منتظرا حَسُنَ التبشير به، والبشارةُ به تتضمَّن تصديقَه سيما وقد سمَّاه رسولا وعرفه بأحمد، الاسم المسمَّى به في السماء عند الملأ الأعلى، وهو أفخم للمسمى، وأبلغ في تفخيمه.
وهنا نكتة لطيفة، وهي أنَّ المبشَّر به يشعر بأن البشارة به تقتضي بأنه يأتي
بأمور فيها البشرى لمَنْ جاءهم بها وقبلوها منه.
قال ابن عطية: وهو في هذه الآية الكلمة لا الشخص، وليست على حدِّ قولك: جاءنا أحمد، لأنك ها هنا أوقعْتَ الاسْمَ على مسمَّاه، والآية إنما أراد فيها باسمه هذه الكلمة.
ووقع للفخر في سورة الحمد مناسبة اشتقاق اسمه أحمد ومحمد من الحمد، لأنه أول ما خلق الله العقل، فكان أول ما نطق به الحمد، وكان آخر الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام، فناسب الخَتْم أن يكونَ من نوع المبدأ، فاشتقَّ له من الحمد اسمان: محمد وأحمد، فأهل السماه هو أحمدهم، وأهل الأرض هو محمدهم.