ومثل المهاجرين إلا كما قال الأول: سمِّنْ كلبك يأكلك.
ثم قال: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) ، يعني بالأعزّ نفسه وأتباعه، ويعني بالأذَلّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال لقومه: إنما يقيم هؤلاء بالمدينة بسبب مَعُونتكم وإنفاقكم عليهم، ولو قطعْتُم عنهم ذلك لفَرّوا عن مدينتكم، فسمعه زيد بن أرقم، فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبلغ ذلك عبْدَ الله بن أبيّ، فحلف لرسول الله أنه ما قال شيئاً من ذلك وكذَّب زيداً، فنزلت السورة عند ذلك، فبعث رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد، وقال له: صدَّقك الله يا زيد، فخزي عبد الله بن أبَيّ ومقَتَهُ الناس، فقيل له امْضِ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لك، فإنه رحيم بالأمة، فلوَى رأسه استكباراً، وقال: أمَرْتموني بالإسلام فأسلمْتُ، وبأداء الزكاة ففعلت، ولم يبق لكم إلا أنْ تأمروني بالسجود لمحمد، فعاش قليلاً ومات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
لا حيلة في القدر: جمع الحبس والتعذيبُ بين بلال وعمار على نبذ الدين.
فزوّر على عمار على خط قلبه، فلم يعرف التزوير، وأسر بلال على دعوى
الإبلاس فسلموه إلى صبيانهم في حديدة يصرونه في حَرِّ مكة، ويضعون على
صدره وقت الرمضاء صخْرَةً، ولسانُ محبته يقول:
بعينك ما يلقى الفؤاد وما لقي
... وللشوق ما لم يبْقَ مني وما بقي
وجيء بأبي جَنْدَل يجرَّ قيودَه، فردّه - صلى الله عليه وسلم - إليهم ودموعُه تسيل على صدره، وأنشد أبياتاً آخرها:
وعلى ما صفحوا أو نقموا
... لأرَى يا طيبة منك يدا
وكذلك أبو سهيل وغيره حبسوهم عنه - صلى الله عليه وسلم -، فجرى القَدَر بِلقْياه، والإيمان به، وهؤلاء لم تسبق لهم سابقة سَبْق.
من أنْتَ يا بلال حتى عرج بك على براق العناية إلى حضرة القرب للقرب.
وخلف عن نيْل المطالب أبو طالب، جئتَ يا سلمان من فارس حق نظمتك يدُ