ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالة على الحِكَم الباهرة، في الليل والنهار، والشمس والقمر ومنازله، والنجوم والبروج، وغير ذلك، فاستخرجوا منه
المواقيت.
ونظر الكتابُ والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ، وبديع النظم، وحُسْن
السياق، والمبادي والمقاطع، والخالص، والتلوين في الخطاب، والإطناب
والإيجاز، وغير ذلك، فاستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع.
ونظر فيه أربابُ الإشارات وأصحاب الحقيقة فلاح لهم من ألفاظه معان
ودقائق جعلوا لها أعلاماً اصطلحوا عليها، مثل الفناء والبقاء والحضور، والخوف، والهيبة، والأنس والوحشة، والقَبْض والبسط، وما أشبه ذلك - هذه الفنون التي أخذتها الملة الإسلامية منه.
وقد احتوى على علوم أخَر من علوم الأوائل، مثل، الطب، والجدل، والهيئة، والهندسة، والجبر، والمقابلة، والنجامة، وغير ذلك.
أما الطبُّ فمداره على حفظ نظام الصحة واستحكام القوة، وذلك إنما يكون
باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة.
وقد جمع ذلك في آية واحدة، وهي قوله: (وكانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) .
وعرّفنا فيه بما يفيد نظام الصحة بعد اختلاله، وحدوثَ الشفاء للبدن بعد
اعتلاله في قوله: (شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) .
ثم زاد على طلب الأجساد طِبَّ القلوب وشفاء الصدور.
وأما الهيئة ففي تضاعيف سوره من الآيات التي ذكر فيها ملكوت السماوات
والأرض وما بثّ فيها في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات.
وأما الهندسة ففي قوله: (انْطَلِقُوا إلى ظِل ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ.
..) .
وأما الجدَل فقد حوت آياته من البراهين والمقدمات والنتائج، والقول