وقال القاضي أبو بكر بن العربي في قانون التأويل: علوم القرآن خمسون علما
وأربعمائة وسبعة آلاف وسبعون ألف، على عدد كَلِم القرآن مضروبة
في أربعة، إذ لكل كلمة ظَهْر وبطن، وحد ومقطع.
وهذا مطلق دون اعتبار تركيب وما بينهما من روابط، وهذا مما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله.
وأتم علوم القرآن ثلاثة: توحيد. وتذكير. وأحكام.
فالتوحيد يدخل فيه معرفة المخلوقات، وصرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله.
والتذكير منه الوعد
والوعيد، والجنة والنار، وتصفية الظاهر والباطن.
والأحكام منها التكاليف كلها، وتبيين النافع والضار، والأمر والنهي والندب، ولذلك كانت الفاتحة أم القرآن، لأن فيها الأقسام الثلاثة.
وسورة الإخلاص ثلثه، لاشمالها على أحد الأقسام الثلاثة، وهو التوحيد.
قال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام في كتاب "الإمام في أدلة الأحكام"
معظم آي القرآن لا تخلو عن أحكام مشتملة على آداب حسنة وأخلاق جليلة.
ثم من الآيات ما صرح فيها بالأحكلام، ومنها ما يؤخذ بطريق الاستنباط إما
بأن ضَمّ إلى آية أخرى، كاستنباط صحة أنْكِحة الكفار من قوله: (وامرأتُه
حَمَّالَةَ الحَطَب) .
وصحة صوم الجُنب من قوله: (فَالآنَ بَاشِرُوهُن)
... إلى قوله: (حتى يتبيَّنَ لكم الْخَيْط
... ) الآية.
وإما به كاستنباط أنَّ أقلَّ الحَمْلِ ستة أشهر من قوله: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) .
مع قوله: (وفِصَالُه في عاميْنِ) .
قال: ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر، وتارة بالإخبار مثل:
(أُحلَّ لكم) .
(حُرِّمَتْ عليكم الميتةُ) .
(كُتِبَ عليكم الصيام) .
وتارة بما رتب عليها في العاجل والآجل من خير وشر، أو نفع أو ضر.
وقد نوعّ الشارعُ ذلك أنواعاً كثيرة، ترغيبا لعباده، وترهيبا وتقريبا إلى
أفهامهم، فكل فعل عظَّمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعِلَه لأجله، أو أحبّه