إلى جليل هذه الاستعارة، وعظيم إيجازها، وما انطوت عليه من المعاني الكثيرة.
وقد حُكي عن بعض الأعراب أنه لما سمع هذه الآية سجد وقال: سجدت
لفصاحة هذا الكلام.
وقوله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) .
قال بعضهم: جمع بهاتين اللفظتين ما لو اجتمع الْخَلقُ كلهم على وصف ما فيها على التفصيل لم يخرجوا عنه.
وقوله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) .
قال: معناه كثير، ولفظه يسير، لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قَتل قُتِلَ به كان ذلك داعيا إلى ألا يقْدِم على القتل، فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعضٍ، وكان ارتفاع القتل حياة لهم.
وقد فُضِّلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى، وهو
قولهم: القتل أنْفَى للقتل - بعشرين وجهاً أو أكثر.
وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل، وقال: لا تشبيه بين كلام
الخالق وكلام المخلوق، وإنما العلماء يقدحون أفهامهم فيما يظهر لهم من ذلك.
الأول: أن ما يُناظره من كلامهم، وهو قوله: (الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) أقلّ
حروفاً، فإن حروفها عشرة، وحروف: القتل أنفى للقتل - أربعة عشر.
الثاني: أن نفي القتل لا يستلزم الحياة، والآية ناصَّة على ثبوتها التي هي
الغرض المطلوب منه.
الثالث: أن تنكير حياة تفيد تعظيما، فتدل على أن القصاص في حياة
متطاولة، كقوله: (ولتجدنَّهم أحْرَصَ الناسِ على حياةٍ) .
ولا كذلك المثل، فإن اللام فيه للجنس، ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء.
الرابع: أن الآية مطردة بخلاف المثل، فإنه ليس كل قتل أنفى للقتل، بل