قلت: وقد يكون الإجمال في اللف لا في النشر، بأن يُؤْتى بمتعدد، ثم بلفظٍ
يشتمل على صفة تصلح لهما، كقوله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) .
على قول أبي عبيدة: إن الخيط الأسود أريد به الفجر الكاذب لا الليل.
وقد بيّنْتهُ في أسرار التنزيل.
والتفصيلي قسمان:
أحدهما: أن يكون على ترتيب اللفظ، كقوله تعالى: (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) ، فالسكون راجع إلى الليل، والابتغاء راجع إلى النهار.
وقوله: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) .
فاللوم راجع إلى البخل، ومحسوراً راجع إلى الإسراف، لأن معناه منقطعا لا شيء عندك.
وقوله: (ألم يَجِدْكَ يَتِما)
... الآيات.
فإن قوله: (فأمَّا اليتيمَ فلا تقْهَر) - راجع إلى قوله: (ألم يَجدْكَ يتما فآوَى) .
وقوله: (فأما السائل فلا تنهر) - راجع إلى: (ووجدَك ضالاَّ) ، فإن المراد السائل عن العلم، كما فسره مجاهد وغيره.
(وأما بنعمة ربك فحدِّث) راجع إلى قوله: (ووجدك عائلاً فأغنى) .
رأيت هذا المثال في شرح الوسيط للنووي المسمى بالتنقيح.
والثاني: أن يكون على عكس ترتيبه، كقوله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)
... الآيات.
وجعل منه جماعة قوله تعالى: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) .
قالوا: متى نَصْر الله: قَوْلُ الذين آمنوا، و (ألا إن نَصْرَ الله قريب) قول الرسول.
وذكر الزمخشري له قسماً آخر، كقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) .
قال: هذا من باب اللف، وتقديره: ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار.
إلا أنه فصَل بين منامكم