(فلمّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذهب اللَّهُ بِنورِهم) ، ولم يقل بضوئهم بعد قوله: أضاءت، لأن النور أعم من الضوء، إذ يقال على القليل والكثير، وإنما يقال الضوء على النور الكثير.
ولذلك قال: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا) .
ففي الضوء دلالةٌ على النور، فهو أخص منه، فعدمه يوجب عدم الضوء
بخلاف العكس.
والقصدُ إزالة النور منه أصلاً، ولذلك قال عَقِبَه: (وتركهم في ظلمات لا يُبْصِرون) .
ومنه: (لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ) ، ولم يقل ضلال، كما قالوا: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) .
لأنها أعم منه، فكان أبلغ في نفي الضلال.
وعبَّر عن هذا بأن نَفْيَ الواحد يلزم منه نفي الجنس ألبتَّة، وبأن نفي
الأدنى يلزم منه نفي الأعلى.
والثاني كقوله: (وجَنَّةٍ عَرْضها السماوات والأرضُ) .
- ولم يقل طولها، لأن العرض أخصّ، إذ كلّ ما له عَرْض فله طول ولا ينعكس.
ونظير هذه القاعدة أن نفي المبالغة في الفعل لا يستلزم نفي أصل الفعل.
وقد أشكل على هذا آيتان: قوله تعالى: (وما رَبُّكَ بظلاَّمٍ للعَبِيد) .
وقوله: (وما كان ربك نَسِيًّا) . م
وأجيب عن الآية الأولى بأجوبة:
أحدها: أن ظلاّماً، وإن كان لِلْكثرة، جيء به في مقابلة العبيد الذي هو
جَمْع كثرة، ويرشّحه أنه تعالى قال: (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ، فقابل صيغة فعَّال
بالجمع.
وقال في آية أخرى: (عَالِم الغَيْبِ) - فقابل صيغة فاعل الدال على
أصل الفعل بالواحد.
الثاني: أنه نفَى الظلم الكثير، فينتفي القليلُ ضرورة، لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم، فإذا ترك الكثير مع زيادة نَفْعه فلأن يترك القليل أولى.
الثالث: أنه على النسبة، أي بذي ظلم.
حكاه ابنُ مالك عن المحققين.