وأما التنبيه على الضلال فالاستفهام فيه حقيقي، لأن المعنى أين تذهب.
أخبرني إلى أي مكان تذهب، فإني لا أعرف ذلك.
وغاية الضلال لا يُشْعَر بها إلى أين تنتهي.
وأما التقرير فإن قلنا: المراد به الحكم بثبوته فهو خبر بأنّ المذكور عَقِب
الأداة واقع، أو طلب إقرار المخاطب به مع كون السائل يعلم، فهو استفهام
يقرر المخاطَب، أي يطلب منه أن يكون مقرًّا به، وفي كلام أهل الفن ما
يقتضي الاحتمالين.
والثاني أظهر.
وفي الإيضاح تصريح به ولا بِدْعَ في صدور الاستفهام، ممن يعلم المستفهم منه، لأنه طلب الفهم، إما طلب فَهْم المستفهم أو وقوع فهم لمن لم يفهم كائنا من كان.
وبهذا تنحلُّ إشكالات كثيرة في مواقع الاستفهام ويظهر بالتأمل بقاء معنى الاستفهام مع كل أمر من الأمور المذكورة. انتهى ملخصاً.
الثاني: القاعدة أن المبهم يجب أن يَليَ الهمزة.
وأشكل عليها قوله تعالى: (أَفأَصفَاكمْ رَبُّكمْ بِالْبَنِين) .
فإن الذي يليها هنا الإصفاء بالبنين، وليس هو المنكر، وإنما المنكر قولهم: إنه اتخذ من الملائكة إناثا.
وأجيب بأن لفظ الإصفاء يشعر بزعم أن البنات لغيرهم، أو بأن المراد مجموع
الجملتين، وينحلُّ منهما كلام واحد.
والتقدير أجمع بين الإصفاء بالبنين واتخاذ البنات.
وأشكل منه قوله تعالى: (أتأمرونَ الناسَ بالبِرّ وَتنْسَوْنَ أنفسكم) .
ووجْهُ الإشكال أنه لا جائز أن يكون المنكر أمر الناس بالبر فقط، كما
تقتضيه القاعدة المذكورة، لأن أمر البر ليس مما ينكر، ولا نسيان النفس فقط، لأنه يصير ذكْر أمر الناس بالبر لا مدخل له، ولا مجموع الأمرين، لأنه يلزم أن تكون العبادة جزء المنكر، ولا نسيان النفس بشرط الأمر، لأن النسيان منكر مطلقاً، ولا يكون نسيان النفس حال الأمر أشدَّ منه حال عدم الأمر، لأن المعصية لا تزداد بشاعتها بانضمامها للطاعة، لأن جمهور العلماء على أن الأمر