قبله وصفهم بإنكاره.
وأما الثانية فالختام بما فيها مناسب، لأنه لا يضيّع عملاً صالحاً ولا يزيد على من عمل سيئا.
وقال في سورة النساء: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) .
ثم أعادها وختم بقوله: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) .
ونكتة ذلك أن الأولى نزلت في اليهود، وهم الذين افتروا على الله ما ليس
في كتابه، والثانية نزلت في المشركين ولا كتاب لهم وضلالهم أشد.
وقوله في المائدة: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) .
ثم قال في الثانية: (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) .
ثم قال في الثالثة: (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) .
ونكتته أن الأولى نزلت في حكام المسلمين.
والثانية، في اليهود، والثالثة، في النصارى.
وقيل الأولى فيمن جحد ما أنزل الله، والثانية فيمن خالفه
مع علمه ولم ينكره، والثالثة، فيمن خالفه جاهلاً.
وقيل الكافر والظالم والفاسق
كلها بمعنى واحد، عبّر عنه بألفاظ مختلفة لزيادة الفائدة واجتناب التكرار.
وعكس هذا اتفاق الفاصلتين والمحدَّث عنه مختلف، كقوله في سورة النور:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
... إلى قوله: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) .
ثم قال: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) .
التنبيه الثاني: من مشكلات الفواصل: قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) .
فإن قوله: "وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ" يقتضي أن تكون الفاصلة الغفور الرحيم.
وكذا نقلت عن مصحف أبيّ، وبها قرأ ابن شَنْبوذ، وذكر في حكمته أنه لا يغفر لمن استحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه، فهو العزيز أي الغالب