تسابيح الأشياء غيْرُ ظاهر في بادي الرأي، وذكر في حكمته أنه لما كانت
الأشياء كلها تسبح ولا عصيان في حقها وأنتم تعصون ختم بها مراعاةً للمقدر في الآية وهو العصيان، كما جاء في الحديث: لولا بهائم رُتّع، وشيوخٌ ركع، وأطفال رُضّع لَصُبَّ عليكم البلاء صبّا.
وقيل: التقدير: حليما عن تفريط المسبحين غفوراً لذنوبهم.
وقيل: حليما عن المخاطبين الذين لا يفقهون التسبيح بإهمالهم النظر في الآيات والعبر ليعرفوا بالتأمل فما أودع في مخلوقاته مما يوجب تنزيهه.
التنبيه الثالث: من الفواصل ما لا نظير له في القرآن، كقوله عقب الغض في
سورة النور: (إنَّ الله خَبيرٌ بما يَصْنَعُون) .
وقوله عقب الأمر بالدعاء والاستجابة: (لعلهم يَرْشُدُون) .
وفيه تعريض بليلة القدر حيث ذكر ذلك عقب ذكر رمضان، أي لعلهم يرشدون إلى معرفتها.
وأما التصدير فهو أن تكون تلك اللفظة بعينها تقدمت في أول الآية، ويسمى
أيضأ رد العجز على الصدر.
وقال ابن المعتز هو ثلاثة أقسام:
الأول: أن يوافق آخرُ الفاصلة آخر كلمة في الصدر، نحو: (أنزله بعلمه
والملائكة ُ يشهدون وكفى بالله شهيدا) . النساء: 66.
والثاني: أن يوافق أول كلمة منه، نحو: (وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) .
(قال إني لِعملكمْ مِنَ القَالِين) الشعراء: 168.
الثالث: أن يوافق بعض كلماته، نحو: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) .
(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) .
(قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ
...إلى قوله: (وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) .