أحدها: أنه لم ينكر عليه ذكره الإكرام، وإنما أنكر عليه ما يدل عليه كلامه
من الفخر والخُيلاء، وقلّة الشكران، ومن اعتبار الدنيا دون الآخرة.
الثاني: أنه أنكر عليه قوله: رب أكْرَمَنِ إذ اعتقد أن إكرام الله باستحقاقه
الإكرام على وجه التفضّل والإنعام، كقول قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) .
الثالث: أن الإنكار إنما هو لقوله: رَبِّي أهَانَنِ، لا لقوله: (رَبِّي أَكْرَمَنِ) ، فإن قوله: (رَبِّي أَكْرَمَنِ) اعتراف بنعمة الله، وقوله: (رَبِّي أَهَانَنِ) شكاية من فِعْل الله.
(أنْقَض ظَهْرَك) : النِّقْض البعير الذي قد أتعبه السفر
والعمل فنقض لحمه، فيقال له حينئذ نِقْص، وهو هنا عبارة عن ثقل الوِزْر
المذكور وشدته عليه.
قال الحارث المحاسبي: إنما وُصفت ذنوب الأنبياء بالثقل وهي مغفورة لهم لو
صَدَرَت منهم، فهي ثقيلة عندهم لشدة خوفهم من الله، وهي عند الله خفيفة.
وهذا كما جاء في الأثر أن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يقع عليه، والمنافق يرى
ذنوبَه كالذبابة تطير فوق أنفه.
وعلى هذا قول من جوّز صغائر الذنوب على الأنبياء.
أو على أن ذنوبه كانت قبل النبوة.
والصحيح أن الوِزْر هي أثقال النبوة
وتكاليفها، فأعانه عليها.
(أثقالها) : جمع ثقْل، وإذا كان الميت في بطن الأرض فهو
ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها.
وقيل هي الكنوز، وهذا ضعيف، لأن إخراجها للكنوز وقت الدجّال.
والمراد إخراج الموتى الذين في جوفها عند النفخة الثانية في الصور.
(أَوْحَى لها) : أوحى إليها، إما بكلام أو إلهام. وقيل معناه أوحى إلى الملائكة من أجلها، وهذا بعيد.
وفي التفسير أوحى إليها أمرها.