أَنتَ، وإن لم يُطقْ فأحرى ألاَّ ترى أنتَ، فعلى هذا إنما جعل الله الجبل مثالاً
لموسى.
وقال قوم: المعنى سأتجلَّى لك على الجبل، وهو ضعيف، يبطله قوله:
(فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) .
وروِيَ أن طائرين ذكراً وأنثى كانا في الجبل، فلما سمعا طلبَ موسى الرؤية
قال لها الذَّكَر: نَفِرُّ من هذا الجبل، لأنَّا لا نقدر على رؤية الحق.
فقالت له: نقرُّ فيه لنفوز بحظ الرؤية، فيكون لنا فَخْر على سائر الطيور.
فقال لها الذكر: إذاً فيكون ذلك لك.
فلما تجلى الحقُّ للجبل تفتَّتَ حتى صار غبارا، وساخ في الأرض، وأفضَى إلى البحر، ولهذا كان رأي الأنثى فاسداً، لقوله - صلى الله عليه وسلم -:
شاوِروهنّ وخالفوهن.
(تَأَذَّنَ رَبُّكَ) : أعلم.
وتَفَعّل يأتي بمعنى أفعل، كقولهم أوعدني وتوعّدني.
(تَغَشَّاها) : علاها بالنكاح.
فسبحانَ مَنْ خاطب العرب بلغاتهم، إذ كانوا يتصرّفون بالتسمية لمسمى واحد، كالجماع، فتارة كنى عنه سبحانه بالسر والقُرْب
والنكاح.
وكانوا يوسعون في التسمية لاختلاف أحواله بأسماء، كتسمية طِفْلِ بني آدم
ولدا، ومن الخيل فَلُوًّا وفهْراً، ومن الإبل حواراً وفَصِيلاً، ومن البقر عِجْلاً، ومن الغنم سَخْلة، ومن الأرْنَب خِرْنقا، ومن الغزال خَشْفاً، ومن الكلب جَروا، إلى غير ذلك.
ويداً تلوّثَتْ بلحم غَمِرة، وبطين لثِقَة، وبطيب عَبِقة، وبوسخ وَضِرَة، إلى
غير ذلك.
وكطعنته بالرمح، وضربته بالسيف، ورميته بالسهم، ووكَزْتُه بالعصا وباليد، وَركَلْته بالرِّجل، إلى غير ذلك.
ويدل علي اتِّساع اللغة وكثرة فنونها أنهم قد جعلوا بألفاظها شبهاً بمعنى،