(تَرْجون للَهِ وَقاراً) فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أنَّ الوقَار بمعنى التوقير والكرامة، فالمعنى ما لكم لا تَرْجون أن
يوقَركم الله في دار ثوابه.
قال ذلك الزمخشري.
وقوله: " لله " على هذا بيان للموقر، ولو تأخر لكان صفةً لوقارا.
والثاني: أن الوقار بمعنى التُّؤَدة والتثبيت.
والمعنى ما لكم لا ترجون للهِ تعالى متثبتين حتى تتمكّنوا من النظر بوقارا.
وقوله " لله " على هذا مفعول دخلت عليه اللام، كقولك: ضربت لزيد، فإعراب " وقارا " على هذا مصدر في موضع الحال.
الثالث: أن الرجاء على هذا بمعنى الخوف، والوقار بمعنى العظمة.
والسلطان، فالمعنى ما لكم لا تخافون عظمةَ الله وسلطانه، وللَه على هذا صفة للوقار في المعنى.
الرابع: أن الرجاء بمعنى الخوف والوقار بمعنى الاستقرار، من قولك وقَر في
المكان إذا استقرّ فيه.
والمعنى ما لكم لا تخافون الاستقرار في دار القرار إما في
الجنة أو في النار.
(تحرَّوا رشَدا) : أي قصدوا الرشد.
واختار ابن عطيَّة أن يكون هذا ابتداءً لكلام الله، لا من كلام الجنّ.
(تَبَتَّلْ) : أي انقطع إليه بالعبادة والتوكل عليه.
وقيل التبتل رفْض الدنيا.
وقد امتثل - صلى الله عليه وسلم - فكان قليلَ الأمل كثير العمل لم يشقق نهراً، ولا شيّد قصراً، ولا غرس نَخْلاً، ولم يضرب قطّ بيده إلا في سبيل الله وقام لله حتى توَرَّمتْ قدماه، فمن شاهد أحواله، وسمع أخلاقه وأفعاله وآدابه وبدائع تدبيره لصالح الخَلْق، ومحاسن إشارته في تفضيل ظاهر الشَّرْع المعجز للعلماء عن درك أوائل دقائقها طولَ أعمارهم لم يَبْقَ عنده رَيْبٌ في أن ذلك لم يكن مكتسباً بحيلة،