اليهود: يا أبا القاسم، لولا أنزل هذا القرآن جملة، كما أنزلت التوراة على
موسى. فنز لت.
وأخرجه من وجهٍ آخر عنه - بلفظ: قال المشركون.
وأخرج نحوه عن قَتَادة والسدّي.
فإن قلت: ليس في القرآن التصريح بذلك، وإنما هو على تقدير ثُبوت قَوْلِ
الكفار.
قلت: سكوتُه تعالى عن الرد عليهم في ذلك وعُدُوله إلى بيان حكمته دليلٌ
على صحته، ولو كانت الكتبُ كلها مفرقة لكان يكفي في الرد عليهم أن يقول: إن ذلك سنةُ الله في الكتب أنزلها على الرسل السابقة، كما أجاب بمثل ذلك عن قولهم: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ) ، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ) .
وقولهم: (أبعثَ اللهُ بَشراً رسولاً) .
وقال: (وما أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِك إلاَّ رجالاً نُوحي إليهم) .
وقولهم: كيف يكون رسولا ولا له همٌّ إلا النساء، فقال: (ولقد
أرْسلنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وجعَلْنَا لهم أزواجاً وذُريّة
... ) . الآية.
إلى غير ذلك.
ومن الأدلة على ذلك أيضاً قولُه تعالى - في إنزال التوراة على موسى يوم
الصعقة: (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ) .
(وألْقَى الألْوَاحَ) .
(ولما سكتَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ أخذ الألْوَاح، وفي نسختها هُدًى ورحمةٌ) .
(وإذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فوقَهُمْ كأنه ظلَّةٌ وظنوا أنه واقعٌ بهم خذُوا ما آتينَاكم بقوَّة) .
فهذه الآيات كلها دالّة على إتيانه التوراة جملة.