(مَثَلُ الفَرِيقين كالأعمى والأصَمّ والبصِير والسَّمِيع) :
شبَّه الكافر في هذه الآية بالأعمى وبالأصم.
وشبه المؤمن بالسميع وبالبصير، فهو على
هذا تمثيل للمؤمنين بمثلين.
وقيل: التقدير كالأعمى والأصم والبصير والسميع.
قالوا: ولعطف الصفات فهو على هذا تمثيل للمؤمن بمثال واحد، وهو مَنْ جمع بين السمع والبصر، وتمثيل للكافر بمثال واحد وهو من جمع بين العمى والصَّمَم.
(ما آمَنَ مَعَه إلا قليل) : قيل كانوا ثمانين.
وقيل عشرة. وقيل ثمانية.
والضمير لنوح.
فتأمّل الفعل الربّاني في طول بقائه معهم، وقلّة مَنْ آمن منهم.
(مَوْجٍ كالجِبَال) : روِي أن الماء طبق ما بين السماء
والأرض، فصار الكلُّ كالبحر.
قال ابن عطية: وهذا ضعيف، وأين كان الموج
كالجبال قبل التطبيق، وقبل أن يغمر الماء الجبال.
(مَعْزِلٍ) : أي في ناحية، فناداه نوح: يا بنيّ، اركَب معنا
ولا تكن مع الكافرين، فلم يلتفت له، فنادى نوح ربه إن ابني من أهلي، وإنَّ وَعْدَك الحق، وأنت أحكم الحاكمين.
فقال: فلا تسْألْنِ ما ليس لكَ به عِلْم.
هل هو صواب أو غير صواب حتى تقف على كُنْهه.
فإن قلت: لِمَ سمّي نداؤه سؤالاً ولا سؤال فيه؟
فالجواب أنه تضمَّن
السؤال، وإن لم يصرّح به، ولما أجابه الله بقوله: إني أعظك أن تكون من الجاهلين
- بكى أربعين سنة على هذه الكلمة (1) .
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين قوله لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: (فلا تكُونَنَّ مِن الْجَاهلين) .
فالجواب أنَّ نوحا كان كبيراً ونَبِيُّنا كان شابّاً، فقال له ذلك لحداثة سنّه.
وأيضاً فنوح كان صفيّاً ومحمد حبيباً، ولإفراط المحبة
فيه تكون الغيرة عليه أعظم، ولا أحد أعظم غيرة من الله.
وينبغي أن يكون الحبيب أكثر اجتهاداً وحِرْصاً على طاعة محبوبه.
وعلى ذلك جرى الخطاب معه في القرآن (2) .