والثالث غرفات الجنة، لقوله: (يجْزَوْن الغرْفةَ بِما صَبَروا) .
والأجر الجزيل، لقوله: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
والأربعة الأخر المذكورة في هذه الآية: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) .
والصبر على أربعة أوجه: صبر على البلاء، وهو منع النفس عن التسخّط
والهلع والجزَع.
وصبر على النعم، وهو تقييدها بالشكر وعدم الطغيان والتكبر
بها.
وصبر على الطاعات بالمحافظة عليها.
وصبر عن المعاصي بكفِّ النفس عنها.
وفوق الصبر التسليم، وهو ترك الاعتراض والتسخط ظاهراً وباطناً.
وفوق التسليم الرضا بالقضاء وهو سرور النفس بفعل الله، وهو صادر عن المحبة، إذ كل ما يفعل المحبوب محبوب.
وعَيْن الرضا عن كلّ عَيْبٍ كليلة.
(ما أنْزِل مِن قَبْلِك) :
التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله عز وجل.
(ما همْ بمؤْمنين) :
هم المنافقون، وكانوا جماعة من الأوْس والخزرج، ورأْسهم عبد الله بن أبيّ، يظهرون الإسلام ويسِرُّون الكفر، ويسمى الآن من كان كذلك زِنْديقاً، وهم في الآخرة مخلَّدون في النار.
وأما الدنيا فإن لم تَقم عليهم بيِّنة فحكمهم كالمسلمين في دمائهم وأموالهم، وإن شهد على معتقدهم شاهدان عدلان فمذهب الشافعي الاستِتَابَة وترك القتل.
ومذهب الإمام القتل دون استتابة.
فإن قلت: كيف جاء قولهم آمَنَّا جملة فعلية، و
(ما هم بمؤمنين) جملة اسمية.
فهلاَّ طابقتها؟
فالجواب أن قوله: (ما هم بمؤمنين) أبلغ وأوكد ونفي الإيمان عنهم من
أن لو قال: وما آمَنوا.
فإن قيل: لم جاء قولهم (آمنا) مقيّداً بالله واليوم الآخر، وما هم بمؤمنين
مطلقاً؟