ولا يجب تصديقهم، لأن الآية نَفَتْ علمهم، وإنما يجب علينا تصديق الرسل، لأنه علم إلهي.
وقيل: إن الغيب في هذه الآية يراد به متى تقوم الساعة.
ولذلك قال: (وما يَشْعرونَ أيَّانَ ئبْعَثون) .
وقد قدمنا في النحل من هذا المعنى.
ورضي الله عن بعض العلماء لما دخل على بعض الملوك ووجده متحيّراً، فقال له: مالك، فقال له الأمير: رأيت البارحة ملك الموت في المنام، وسألته: كم بقي من عمري، فأشار لي بأصابعه الخمس، ولا أدري هل هي خمس ساعات أو أيام أو جمعات أو أشهر أو سنين، فقال له: إنما أشار لك بالخمس إلى الحديث في: "خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم قرأ: إنَّ الله عنده علم الساعة) .
فهدأ روعه.
وإذا كان ملك الموت الموكل بقبض الأرواح لا يدري عمر العبد حتى يؤمر
بقبض روحه، فما بالك بمن افترى على الله، ورحم الله القائل:
لعمرك ما تَدْرِي الضَّوَارِبِ بالحصا
... ولا زاجراتُ الطير ما اللَّهُ صانِع
فإن قلت: كيف قال: (إلا اللَّهُ) بالرفع على البدل، والبدل لا يصح إلا إذا
كان الاستثناء متصلاً، ويكون ما بعد إلا من جنس ما قبلها، والله تعالى ليس
ممّن في السماوات والأرض باتفاق، فإن القائلين بالجهة والمكان يقولون: إنه فوق السماوات والأرض، والقائلين بنفي الجهة يقولون: إنه تعالى لا فيهما ولا داخلا فيهما ولا خارجاً عنهما، فهو على هذا استثناء منقطع، فكان يجب أن يكون منصوباً؟
فالجواب من أربعة أوجه:
الأول: أن البدل هنا جاء على لغة بني تميم في البدل، وإن كان منقطعاً.
كقولهم: ما في الدار أحد إلا حمار بالرفع، والحمار ليس من الأحدين، وهذا
ضعيف، لأن القرآن نزل بلغة أهل الحجاز لا بلغة بني تميم.
والثاني: أن الله تعالى في السماوات والأرض بعلمه.
، كما قال تعالى: (وهو معكم أيْنَ ما كنتم) ، فجاء البدل على هذا المعنى للظرفية