ما يعطيهم الله من النعيم، ورضوان الله أكبر من ذلك.
وقرئ بإسكان الياء، على أن يكون فعل المتكلم، وهو الله تعالى.
(أفمَنْ كان مؤْمِنا كمن كان فاسقاً لا يَسْتَوون) :
يعني المؤمنين والفاسقين على العموم.
وقيل المؤمن علي بن أبي طالب، والفاسق عقبة ابن أبي معيط.
(ماءٍ مَهين) ، أي ضعيف.
وفيه إشارة إلى الاعتبار بهذه الخلقة من نطفة مذرة، ويحمل في جوفه العذرة، ويرجع جيفة قذرة، فيعرف نفسه، وينزلها منزلتها من الضعف والافتقار، ويدع العزةَ والاستكبار.
(ما جعَلَ اللَّهُ لرجل مِنْ قَلْبَيْن في جَوْفِهِ) ، لأنه كالإناء
إذا ملأته بشيء لم يكن لشيء آخر فيه مجَال، وهذا هو السبب في زهد أهل
الصفوة في الدنيا لئلا تشغلهم عن محبوبهم.
قال ابن عباس: كان في قريش رجل يقال له ذو قَلْبين لشدة فهْمه، فنزلت
الآية، نفَتْ ذلك.
ويقال إنه ابن خَطَل، وقيل جميل بن معمر.
وقيل: إنما جاء هذا اللفظ توطئةً لما بعده من النفي، أي كما لم يجعل الله لرجل من قلبين في جوفه كذلك لم يجعل أزواجكم أمهاتكم ولا أدعياءكم أبناءكم.
فإن قلت: قد قال الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) .
وفي قراءة أبي: وهو أبٌ لهم - فما فائدة هذا النهي؟
فالجواب أنه أولى بهم من أنفسهم في شفقته عليهم وإنقاذهم من النار.
ألا ترى أنه في الدنيا قال: أمَّتي أمَّتي.
وفي الحشر: لا أسألكَ فاطمةَ ابنتي ولا نفسي، وإنما أسألك أمتي.
وفي الصراط: اللهم سلِّم أمتي.
وفي الحساب: لا تفضح أمتي.
وفي الميزان يا إسرافيل أرجح لأمتي.
ولا يرضى - صلى الله عليه وسلم - أنْ يبقى أحد من
أمته في النار.
فيجب علينا حبّه أكثر من أنفسنا، وننصر دينه، ونترك حمية
أنفسنا، ونجعل لأزواجه الرضا والمبرة أكثر من أمهاتنا، وإن أوجب الله عليهم حَجْبهن عنا فلعظيم حرمتهنّ.