فإنه يدل على حصر المانع من الإيمان في أحد هذين الشيئين.
وقال في آية أخرى: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) .
فهذا حصر آخر في غيرهما.
وأجاب ابن عبد السلام بأن معنى الآية: وما منع الناس أن يؤمنوا إلا إرادة
أن تأتيهم سنة الأولين من الخسف أو غيره، أو يأتيهم العذاب قبلاً في الآخرة.
فأخبر أنه أراد أن يصيبهم أحد الأمرين.
ولا شك أن إرادة الله مانعة من وقوع ما ينافي المراد، فهذا حصر في السبب الحقيقي، لأن الله هو المانع في الحقيقة.
ومعنى الآية الثانية: وما منع الناس أن يؤمنوا إلا استغراب بعثه بشرا رسولاً، لأن قولهم ليس مانعاً من الإيمان، لأنه لا يصلح لذلك، وهو يدل على
الاستغراب بالتزام، وهو المناسب للمانعية، واستغرابهم ليس مانعاً حقيقيا، بل عادياً، لجواز وجود الإيمان معه بخلاف عادة الله، فهذا حصر في المانع العادي، والأول حصر في المانع الحقيقي، فلا تنافي
... انتهى.
ومما استشكل قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) .
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ) .
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ) .
إلى غير ذلك من الآيات.
ووجهه أن المراد هنا بالاستفهام النفي، والمعنى لا أحد أظلم، فيكون خبراً.
وإذا كان خبراً وأخِذت الآيات على ظاهرها أدى إلى التناقض.
وأجيب بأوجه: منها تخصيص كل موضع بمعنى صلته، أي لا أحد من
المانعين أظلم ممن منع مساجد الله.
ولا أحد من المفترين أظلم ممن افترى على الله.
وكذا باقيها، وإذا تخصص بالصِّلات زال التناقض.
ومنها: أن التخصيص بالنسبة إلى السبق لَمّا لم يسبق أحد إلى مثله حكم
عليهم بأنهم أظلم ممن جاء بعدهم سِالكاً طريقهم، وهذا يؤول معناه إلى ما قبله، لأن المراد السبق إلى المانعية والافترائية.