وبركاته، فطِبْ نفسا وقَرّ عيناً يا محمدي بما خوّلك مولاك، وأعلم أنكَ تقِفُ بين يديه، فانظر وقوفك بمَ يكون، هلا وهبت نفسك له وأسلمتها موافقة لقولك: وَجَّهْت وجهي هذا بلسانك، فأين وجهتك.
فإن قلت: لم كان الدخول فيها بتكبيرة والخروج منها بتسليمتين، والركوع
واحدٌ والسجود اثنين؟
والجواب لأن الواحد يقبل الواحد، فإذا قلت الله أكبر فكأنك أقبلت عليه
وعظّمته على كل شيء، فرضي منك هذه الكلمة المشرفة، وأقبل عليك، وإن اشتغلت بغيره فلم تُفْرِدْه وقطعت نفسك عنه، ألا ترى أنَّ التسليمتين قطعت عنه وانفصلت عن مناجاته، كرمضان تدخل فيه بشاهد واحد وتخرج منه بشاهدين، ولما كان السجودُ أقربَ إلى الله من جميع أفعال الصلاة أمرك بسجدتين، أو لأنَّ السجود للأصنام كان عندهم مرة واحدة فزادك أخرى لتفرّق بين السجود لله والسجود لغيره، أو لأن الملائكة كانوا سجوداً وطلبوا من الله ليلةَ الإسراء بحبيبه أَن يروه فأذِن لهم ورفعوا رؤوسهم لرؤيته فسجدوا مرةً لله شكرا لرؤيته، فأمر الله بذلك: الأولى امتثالاً لأمر الله، والثانية شكرا له بأن أهَّلك لطاعته.
فإن قلت: لما كان السجود بهذه الْمَثَابة فهلاَّ أمر به المصلِّي على الميت، لأنه
يشفيع، والشفيع لا يجد قربة إلى الله أفضل منه؟
والجواب: لما كان في السجود للمصلِّي على الميت إيهام بالسجود له أمره اللهُ
بعدم السجود، كأنه يقول: لا أريد أن تسجد لي حتى يرتفع الحجاب بيني
وبينك.
(مَناص) :
مَفَرّ ونجاة، من قولك: ناص يَنوص إذا فرَّ، التقدير وليس الحين الذي دعوا فيه حين مناص.
قال أبو القاسم: معناه فرار بالنبطية.
(مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) :
هذا من كلام الملأ الذين، خرجوا من عند أبي طالب وتفرقوا في طرق مكة، ومرادهم بالملة الآخرة