ما أدركوا عليه آباءهم، أو الملَّة المنتظرة، لأنهم كانوا يسمعون من الأحبار والكهان أن رسولا يبعث يكون آخر الأنبياء، فلما جاءهم جحدوا، واستيقنتها أنفسهم ظلماً.
(ما هنَالكَ مهزوم مِنَ الأحزاب) :هذا وعيد بهزيمتهم في القتال، وقد هزموا يوم بَدْر وغيره، و (ما) هنا صفة لجند، وفيها معنى التحقير لهم، والإشارة بهنالك إلى حيث وَضَعوا أنفسهم من الكفر والاستهزاء.
وقيل: الإشارة إلى الارتقاء في الأسباب، وهذا بعيد.
وقيل الإشارة إلى موضع بدْر.
ومن الأحزاب معناه من جملة الأحزاب الذين تعصَّبوا للباطل فهلكوا.
(ما يَنْطر هؤلاء إلا صَيْحةً واحدة) :
المراد بهؤلاء قريش ومَنْ تبعهم.
والصيحة الواحدة: النفخ في الصُّور.
وقيل: ما أصابهم من قَتل وشدائد، وهو أظهر، لأن من مات فقد قامت قيامته، وقد ورد في الحديث.
(مَسّنِيَ الشيطان بنصْبٍ وعَذَابٍ) :
بضم النون وإسكان الصاد، وبفتحها وإسكان الصاد، وبضمَ النون والصاد، وبفتحهما، بمعنى المشقة.
وهذا من كلام أيوب لما سلَّط الله عليه الشيطان ليَفْتِنَه (1) ، وأهلك ماله وولده، ووسوس قلبه، استغاث ودعا الله بتفريج كَرْبه خوفاً من فِتْنَته.
فإن قلت: أين هذا من قوله تعالى: (إنّا وَجَدْنَاه صَابِراً نعم العَبْدُ) ، وأَيّ قدرة للشيطان حتى ينسب ما أصابه من البلاء إليه؟
فالجواب أنه صبر على ما أصابه في المال والولد والنفس، فلما وصل إلى
الوسوسة استغاث، ويكفيك من صبره أن الله قَرنه بنون العظمة وهاء الضمير، فلا يعتقد في رسول الله غير ذلك، ونسبة الفعل للشيطان على جهة نسبة الشر إليه، كقول موسى: (وما أنْسَانِيه إلاَّ الشيطان) .
(هذا من عَمَلَ الشيطان) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - لما نام ليلة الْوَادِي: إن بهذا الوادي شيطاناً.
فهو تنسب إليه الشرور.
ولذلك يتبرأ يوم القيامة ممن أطاعه، ويقول: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) .