(مَنْ جاء بالحسنة) .
وما الحكمة في أنَّ الله ذكر الصدقةَ بلفظ القرض، وما الحكمة في
الإضعاف؟.
فالجواب أن الله تعالى لو أعطى الثواب بغير شيء لكان يجب أن يعطي
الكفّار مثلَ ما يعطي المؤمنين، فجعل الحسنات إلى المؤمنين لتمنع الثواب عن
الكفار بها، ولا تكون حجة عند الله.
وذكر الصدقة بلفظ القرض، لأن المقرض محتاج، فذكر أنك محتاج إليه مضطر، فلا يمنعك لاحتياجك، ولتعلم أنه يخْلفه لك.
والقرض ليس فيه مذلّة، بخلاف الصدقة.
ومن أقرضته لا يمنُّ عليك.
ولما كان للأمم الخالية عمر طويل وطاعات كثيرة بخلاف هذه الأمة، فخصَّها الله بتضعيف الطاعات، وتفصيل الأوقات، لتكون أعمالهم زاكيةً عليهم.
ولما كان في الطاعات تقصيرٌ جعل لهم الإضعاف، إذ هو بغير تقصير، وبه تنال الجنة، لأنها من فضله ورحمته لا بعملهم وسعْيهم وإن ظلموا بعضهم بعضا تؤخذ حسناتهم بقدر مظلمتهم حتى تفنى ولا يبقى إلا التضعيف، فيقولون: يا ربنا، أعطنا من أضعاف عملنا.
فيقول الله لهم: ذلك ليس منْ الفعل، وإنما هو من فضلي ورحمتي، فلا نصيب لكم فيها، فلا تؤخذ منهم.
(مَنَافِعُ لِلنَّاسِ) :يعني أنَّْ الحديد فيه منافع لسكك الحرث والمسامير، وذلك أن كلَّ صنعة لهم مفتقرة إليه، فلا يستغنى عنه.
(مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) : يعني أنَّ الله أنزل الحديد
ليعمل منه السلاخ لقتال أعْداءَ الله، وليعلم الله مَنْ ينصره، أي ليعلمه موجوداً فالمتغير ليس في علم الله، بل في هذا الحديث الذي خرج من العدم إلى الوجود.
ومعنى (بالغيب) بما سمع من الأوصاف الغائبة عنه، فآمن به لقيام الأدلة
عليها، فأى عذر لتاركِ الجهاد في سبيل الله، وقد أخبر أنه أرسل رسلاً، وأنزل كتباً، وعدلاً مشروعا، وسلاحاً يقاتل به من عاند، ولم يهتد بهَدْي الله.
(ما كتَبْنَاهَا عليهم إلاَّ ابتغاءَ رِضْوَان الله) :أي فرضنا وشرعنا.
وفي هذا قولان: