توسلْتَ إلى رحمتي، فكلما ذكرتُ شيئاً في طاعته قابلني بجزء من نعمته، حتى
اضمحلّت أعمالي، وفنيت أقوالي، وعظمت حَيْرتي، واشتدت كرْبتي، فقلت: يا رب، جئتك بك إليك، فنادتني الملائكة من سائر جهات العرش: الآن وصلت.
هذا حال أبي يزيد الذي ترك ما يريد لما يريد، فكيف حال مَنْ خالف أمرَ
مولاه في كل ما يريد.
وقال بعضهم: رأيتُ سفيان الثوري بعد موته في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟
فقال: أوقفني بين يديه، فرأيت ذلَّ العبودية، وعِزَّةَ الربوبية، فليتني لم
أبرح.
ثم أمر بي إلى الجنة.
فأقبلت أمشي بين أنهارها وأشجارها لا أسمع حِسّاً
ولا أرى شخصاً، فإذا النداء: يا سفيان.
قلت: لبيك! لبيك! فقال: هل كنت
إلاّ عبدا في الدنيا تؤثرنا على مَنْ سِوَانا، فقلت: أنت أعلم يا ربّ.
فلم أزَلْ أمشي حتى استوحشتني الحورُ العين.
فإن قلت: ما معنى هذا الوقوف وهذا الحساب هنا، وإنما يكون في الدار
الآخرة؟
فالجواب: هذا هو العرض الذي يُعرض فيه العبد على ربه بعد مفارقة
جسده، وحينئذ يبدو له منزله، وما أعدّ الله له، يشهد لذلك الحديث لعائشة: "ذلك العرض، ومَنْ نوقش الحساب عُذّب".
والكلام هنا طويل، ليس هذا محل بسطه.
(مَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا) :
هذا من كلام الجن الذين أتوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن مسعود: كنّا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشِّعَاب، فقلنا: استطير واغتيل، فبتنا بِشَرِّ ليلة باتها قوم، فقلنا له: يا رسول الله، ما الذي أصابك، فقال: أتاني جاءٍ من الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن، فقال: انطلقوا بنا، فإذا آثار نيرانهم، وسألوا الزاد فقال: لكم