بعد باسم فاعل، وهو قوله: (فالق الإصباح) ، فتناسب هذا، ولم يقع في غيرها من السور مثل هذا، فلذلك لم يعدل إلى اسم الفاعل.
واللَه أعلم.
فإن قلت: فما بال قوله: (يخرج الحي من الميت) في هذا الموضع ورد بالفعل
وقد اكتنفه قوله: (فالق الحب والنوى) .
ومخرج الميت من الحي، وهما اسما فاعلين؟
والجواب عن ذلك ما قاله الزمخشري: لأنَّ فَلْق الحب والنوى بالنبات
والشجر الناميين من جنْسِ إخراج الحي من الميت، لأن الناس في حكم الحيوان.
ألا ترى قوله: (يُحْيي الأرض بعد موتها) .
وذكر هذا عقب قوله: (ومخرج الميت من الحي) لأنه معطوف على قوله (فالق الحب والنَوَى) كما تقدم، وهذا من حسناته.
(مشتَبِها وغَيْرَ مُتشتابه) :
يحتمل أن يكون الاشتباهُ في الأوراق أو في الثمر، ويتباين في الطعم، ويحتمل أن يكون الاشتباه في الطعم وتتباين في النظر.
وهذه الأحوال موجودة بالاعتبار في أنواع الثمرات.
وأمر اللَهُ بالنظر إلى أول ما يخرج ضَعِيفاً لا منفعة فيه، ثم ينقل من حال إلى حال حتى يتميّع أو ينضج أي يطيب.
فإن قلت: هل لقوله هنا: (مُشْتَبِهاً) معنى غير معنى الآية في قوله:
(متَشابهاً) ؟
فالجواب: لا فرق بينهما إلا ما لا يعَدُّ فارقاً، إذ الافتعال والتفاعل
متقاربان، أصولُهما الشين والباء والهاء، من قولك: أشبه هذا هذا إذا قاربه.
ومثاله ورد في هذه الآية على أخفّ التباين، وفي الثانية على أثقلهما رَعْياً
للترتيب المتقرر، وقد مرَّ نحو هذا في قوله تعالى: (فمن تَبعَ هُدَايَ) .
وقوله في طه: (فمن اتبّعَ هداي) .
وأما سِر خَتْم كل واحدة بما يليق بها فلسنا نطيلُ بذكره، ولو تكلمت على
سر كل آية وما يليق بها لطال بنا الكتاب، وحارت بالتأمل فيه الألباب، نفعنا الله بهذا القرآن العظيم دِيناً ودُنيا.