(مَجْراها ومرْساها) :مشتقان من الجري والإرساء، وهو الثبوت، أو من وقوف السفينة.
ويمكن أن يكونا ظرفين للزمان أو المكان، أو مصدرَيْن.
ويحتمل الإعراب وجهين:
أحدهما أن يكون بسم الله في موضع الحال من الضمير في اركبوا، والتقدير
اركبوا متبركين ببسم الله، أو قائلين بسم الله، فيكون مجراها ومرساها على هذا ظرفين للزمان، بمعنى وقت إجرائها وإرسائها، أو ظرفين للم كان ويكون العامل فيه ما في قولك بسم الله مِنْ معنى الفعل، ويكون قوله بسم الله متصلاً مع ما قَبْله، والجملة كلام واحد.
والوجه الثاني أن يكون كلامين، فيوقف على اركبوا فيها، ويكون بسم الله
في موضع خبر، ومجراها ومرساها مبتدأ بمعنى المصدر، أي إجراؤها وإرساؤها، ويكون بسم الله على هذا مستأنفاً غَيْرَ متّصل بما قبله، ولكنه من كلام نوح، حسبما ورد أنَّ نوحاً كان إذا أراد أن يجري السفينة قال: بسم الله، فتجري.
وإذا أراد وقوفها قال بسم الله فتَقف.
وفي الآية إشارة إلى أن يكون العبد في جميع تصرفاته مشتغلاً بمولاه، ولذلك
قال الصوفية: أنت سفينة الوجود، وسفينة نوح عليه السلام كان إجراؤها
وإرساؤها كما أخبر الحقُّ سبحانه في كتابه بسم الله مجراها ومرساها، وقد
أرشدت الشريعة المحمدية أن يكون جميع تحركك وسكونك بذكر الله تعالى.
فتفتتح عند نوْمِكَ بسم الله، وعند أكلك وشُربك وخروجك من منزلك
ودخولك فيه، ولباس ثوبك وتجريده كذلك، وعند استفتاح كلامك، وعند نكاحك وسفرك وإيابك إلى أهلك، وعند قيامك وقعودك، فإن كنت في حالك محمديّاً رسَتْ سفينتك على جُودِيِّ السلامة، وإن تخلفت عنه لم يكن لك عاصمٌ من أمْرِ الله، وغرقْتَ في طوفان المهالك، وإن لم تشعر أنك هالك فتيقّظ من سَكْرَة هواك تجد روحك في قارورة شهواتك غارقاً في فَضْلة معاصيك.