وإلى جنوده فابتلاه بنملة قالت له تنظر إلى جنودك ولو
عرضْت عليك جنودي سنةً لم يفرغوا (1) ، فإياك والنظر إلى غيره سبحانه، فتبتلى، لأنَّ من عادته سبحانه أنَّ من أحبّ شيئاً ابتلي بفراقه، فإن رجع إلى الله ردَّه اللَه عليه، كسليمان لما رجع إلى اللهِ ردَّ اللَّهُ عليه ملْكه.
وموسى لما رجع إلى الله ردَّ الله عليه عصاه، فقال له: خذْها ولا تخَفْ.
وَيعقوب قال: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) جمع الله شَمْلَه به، وإبراهيم لما رجع إلى الله في ذَبْح ولده فداه الله بِذبْح عظيم.
وتأمَّلْ هذا اللطفَ منه سبحانه حيث لم يرِدْ مواجهة خليله بقَتْلِ ولده
بالوحي، فأراه في المنام، وكذلك الحق سبحانه يقول: ما تردّدت في شيء
كترددي في قَبْضِ روح المؤمن، هو يكره الموت وأنا أحبّ لقياه.
(مُلِيم) ، من اللوم، وهو التعيير، وذلك أنه فعل ما يلام عليه في خروجه من قومه بغير إذن رَبِّه، فحبسه في بطن الحوت حتى
طهره، وأخرجه بتسبيحة واحدة، وكذلك المؤمن يَحْبِسه في النار حتى يطهره من غير ألَمٍ يناله فيها لأن له عقدَ الوصلة، كأيوب حلف أن يضرب زوجته مائةَ سوط، فأمره اللَّهُ أن يأخذ بيده ضِغْثاً - وهو ملء كفٍّ من الحشيش كى لا تتأذّى امرأته بالضرب.
فإن قلت: كيف يجمع بين هذا وبين قوله: (فلولا أنه كان مِنَ المسبِّحين)
- فإنها تقتضي أنه لولا التسبيح لَلَبِث، فاللبث منْتَفٍ
لوجود التسبيح، وهذه تقتضي لولا تداركه النعمة لنبذ، وهو مذموم، فهو
يقتضي - انتفاء النبذ، وانتفاء النبذ هو اللّبْث، وهذه تقتضي ثبوت اللبث لا انتفاء اللبث، والأولى تقتضي انتفاء اللبث وكون اللبث مثبتا مَنْفِيّاً محال، أو يقال الأولى تقتضي ثبوت النبذ والثانية انتفاؤه؟
وأجاب بعض الفضلاء بأنّ لو الأولى في قوّة لولا التسبيح لثبت اللبث.
والثانية في قوة لو انتفت النعمة لنبذ، ولما كان الواقع مِنْ مراد الله تعالى أنَّ