شهد ليوسف كان من أهلها، لأنه أوثق للحجة وأحسن في براءة يوسف.
وهذا الصبي هو أحد الأربعة الذين تكلّموا في المهد، وبَرَّؤْوا أصحابَهم مما رموهم به.
افَتَرى الله شهد لكَ بالإيمان وخاطبك به في القرآن، أفتراه يضيّعك بعد
شهادته لك.
فإن قلت: هل سمعتْ زليخا هذه الشهادة من الصبي؟
فالجواب أنها لم تسمعه لاستيلاء الشهوة عليها، فأصمَّ سمعها وبصرها.
ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: حبّك الشيء يُعمي ويُصم.
(مِنَ المحْسنين) :
هذا من قول الفتيان ليوسف، يعني إنَّا رأيناك من المحسنين إلى أهل السجن في عيادة مرضاهم، وتعبير رؤياهم، وقضاء
حوائجهم، فالإحسان أورث يوسف محبةَ أهل السجن فيه.
وأنتَ يا محمدي أولى بمحبة الله لكَ ورحمته، ونصرته ونفي الخوف عنه إن
كنت محسناً، قال تعالى: (ما عَلَى المحسِنين مِنْ سَبِيل) .
(إنَّ اللهَ مع الذين اتقَوْا) .
(مِنْ بعْدِ ما رَأوا الآياتِ) :
أي الدالة على براءته.
والضمير يعود على الملك وزليخا، وإنما عرضت به للسجن والعذاب، لأنه أيسر الأشياء، وكانت ترجوه إنْ بَقِي.
فكذلك عرض مولانا لنا أيسر الأمرين
الفضل والعدل، فإن عاملناه بالعقل والعدل عاملنا بالفضل، لأن له في الأمور التي يبديها ويخرجها أمرين، ألا ترى إلى قصة يوسف عليه السلام كيف مضى عليه حينٌ من الدهر، وهو مشتغل ببلواه، وغيره مشتغل به وبهواه، حتى إن أباه بكى على فراقه وإخوته بكوا حسداً له، وبكى يوسف على ما ابْتلي به في صغر سنه وغربته، وبكت امرأة العزيز على محبته، فلما كشف الله الغطاء، وأظهر بدائع لطفه تغيَّرت الأحوال فصار بكاء يعقوب وحزنه على خواتم الأمور فرحاً، فحكى الله عنه قوله: (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ) .