قال تعالى: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ) .
أي قبل أن ترفع الواسطة بيني وبين حبيبي، فقيل لها في سِرّ: إنه دَعْواك، حيث قلتِ: إنه من عند الله.
كذلك امتحن يوسف بمحنة أبيه يعقوب، فكان في الأمر ما كان، لأنه قال:
(لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) ، إذ عاقبه (1) ، فلما قيل له: بلغت المحنة غايتها قال: (إنما أشْكو بَثِّي وحزْني إلى الله) ، أي دعواك حين قلت: (لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) .
كذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع قولَ الكفار في رَبّه ضاق صَدْره، فأنزل الله: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) .
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) .
ولو قالوا ما قالوا من الجنون والسحر، فأنا أجبْتُ شانئك عنك بقولي: (هَمّاز مَشَّاء بنَميم) ، أي شانئك هو الأَبْتر.
كذلك قصة مريم في قولها: (إني نذرْت للرحْمَن صوما) ، قالوا: هذا أنكر
وأعظم، فإن من عرف ربَّه كَلَّ لسانه، فأشارت إليه، فأجاب الله عنها على
لسان ولدها.
كذلك المؤمن أمره اللَّهُ تعالى بالسكون، وترك الخصومة عمن ظلمه حتى
يتولّى الجوابَ الملأ الوهَّاب، قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) .
وفي الحديث: إذا أراد الله أن يرفع درجةَ عبدٍ قيَّض اللَّهُ له مَنْ يظلمه.
وحكي أن وزيراً ظلم بعْضَ الرعية في أخذ جِنَان له طلب بَيْعه منه، فأبى، فقال له: إنِّي آخذه منك.
فقال له: أشكوك إلى الملك.
فقال له: إن بيني وبينه صرفةً، قال: أشكوك إلى ربك.
فلما لقيه بعد مدة قال له: ما قال لكَ الذي شكوْتَ له، قال: قال لي: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) الآية.
فارتعدت فرائص الوزير، ونزل من سرْجه، فقبَّل يده، وطلب منه العفو.
هذا شأن مَنْ عرفه ووله في عظمته وتفكره في كلامه، بخلاف ما نحن عليه