. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المنتقى
الْبَرَاغِيثِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ صَحَّتْ الصَّلَاةُ بِهِ وَأَمَّا مَا كَثُرَ مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَلَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِهِ كَالْحَدَثِ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا قُلْتُمُوهُ مِنْ أَنَّ يَسِيرَ الدَّمِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِهِ كَالْمُحْدِثِ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى أَصْلِكُمْ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَنْ لَهُ جُرْحٌ يَنْفَجِرُ دَمًا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ عَلَيْهِ عِنْدَكُمْ إعَادَةَ الصَّلَاةِ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الطَّهَارَةِ وَطَهَارَةِ الْحَدَثِ عَلَى أُصُولِنَا أَنَّ هَذِهِ لَا تَجِبُ بِالشَّكِّ وَطَهَارَةَ الْحَدَثِ تَجِبُ بِالشَّكِّ فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ دُونَ هَذِهِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَبِهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ تَجِبُ لِلصَّلَاةِ فَكَانَتْ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ.
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَهَلْ تَكُونُ شَرْطًا مَعَ النِّسْيَانِ وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إلَى أَنَّهَا شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَهُ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَاءِ نِعَالِكُمْ قَالُوا رَأَيْنَاك أَلْقَيْت نَعْلَيْك فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا وَقَالَ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلِهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ النِّسْيَانَ يُسْقِطُ التَّكْلِيفَ كَعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَدَّرَ أَنَّهُ لَوْ عَدِمَ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ لِعَدَمِ الْمَاءِ لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ فَكَذَلِكَ إذَا نَسِيَ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهَا طَهَارَةٌ تَجِبُ لِلصَّلَاةِ فَكَانَ عَدَمُهَا وَنِسْيَانُهَا سَوَاءً فِي إبْطَالِ الصَّلَاةِ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ.
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ رَأَى نَجَاسَةً مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ فِي جَسَدِهِ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ كَانَ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَيَبْتَدِئُهَا بَعْدَ إزَالَةِ ذَلِكَ وَحَكَى أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ إنْ اسْتَطَاعَ إزَالَتَهَا تَمَادَى فِي صَلَاتِهِ.
١ -
(فَرْعٌ) وَمَنْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ ثَوْبٌ نَجِسٌ فَسَقَطَ عَنْهُ مَكَانَهُ قَالَ سَحْنُونٌ أَرَى أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاةً وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى فِي صَلَاتِهِ وَمَنْ رَآهَا بَعْدَ أَنْ كَمُلَتْ صَلَاتُهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي تَحْدِيدِ آخِرِ الْوَقْتِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ وَقْتَ صَلَاتَيْ النَّهَارِ فِي ذَلِكَ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَنَّ وَقْتَهَا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهَذَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَاضِحٌ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ أَنْ يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ وَقْتَ اخْتِيَارِ الصَّلَاةِ تُشَارِكُهَا فِي الْوَقْتِ كَانَ وَقْتًا لِاسْتِدْرَاكِ فَضِيلَتِهَا فَعَلَى هَذَا لِلظُّهْرِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ اخْتِيَارٍ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ وَوَقْتُ اسْتِدْرَاكِ فَضِيلَتِهِ وَهُوَ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ أَوْ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ وَهُوَ إلَى أَنْ يَبْقَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَدْرُ مَا تَخْتَصُّ بِهِ الْعَصْرُ أَوْ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي هَذَا الْحُكْمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى فَإِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِلَى أَنْ يَمْضِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَيَمْضِيَ نِصْفُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَوَقْتُ اسْتِدْرَاكِ فَضِيلَةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَوَقْتُ مَغِيبِ الشَّفَقِ إلَى انْقِضَاءِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ فَوَقْتُهَا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ فَإِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَإِنْ قُلْنَا لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْإِسْفَارُ وَلَيْسَ لَهَا