(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْثِرُ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ إنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) .
ــ
المنتقى
مَا تَخْفَى عَيْنُهُ وَيُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ لِكَثْرَتِهِ فِي الطُّرُقَاتِ وَتَكَرُّرِهِ بِهَا فَهَذَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ خُفٍّ وَلَا ثَوْبٍ وَلَا جَسَدٍ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَكَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ وَثَانِيهِمَا مَا ظَهَرَتْ عَيْنُهُ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُحَرَّمٍ وَمَكْرُوهٍ وَالْمُحَرَّمُ كَبَوْلِ بَنِي آدَمَ وَعَذِرَتِهِمْ وَالدِّمَاءِ وَبَوْلِ مَا حَرُمَ لَحْمُهُ وَمَا يَأْكُلُ النَّجَاسَاتِ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَهَذَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الثَّوْبِ وَالْخُفِّ وَالْجَسَدِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَلَا يَتَكَرَّرُ وَلَا تَخْفَى عَيْنُهُ وَلَا يَكْثُرُ كَثْرَةً تَمْنَعُ الِاحْتِرَازَ مِنْهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَكَرَوْثِ الدَّوَابِّ وَبَوْلِهَا وَمَا يُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِهِ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغَسْلِ الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي غَسْلِهِ مَشَقَّةٌ دَاعِيَةٌ لَأَنْ يَتْرُكَ الْمُتَوَقِّي مِنْهُ عِبَادَاتٍ يُضْطَرُّ إلَى ذَلِكَ فِيهَا كَالْمُجَاهِدِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ يُمْسِكُ فَرَسَهُ وَلَا يَكَادُ يَنْجُو مِنْ بَوْلِهِ فَهَذَا لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ وَأَمَّا فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَتَوَقَّى جُهْدَهُ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّوَقِّي إلَى مَنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ مِنْ مَعِيشَتِهِ فِي السَّفَرِ بِالدَّوَابِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي غَسْلِ الْخُفِّ مِنْهُ فَقَالَ مَرَّةً يَغْسِلُ وَقَالَ مَرَّةً يُجْزِي الْمَسْحُ فَوَجْهُ الْغَسْلِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغَسْلِ الثَّوْبِ مِنْهُ فَكَانَ مَأْمُورًا بِغَسْلِ الْخُفِّ مِنْهُ كَبَوْلِ مَا حَرُمَ لَحْمُهُ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَصْلِهِ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ لُحُومَ الْحُمُرِ مُحَرَّمَةٌ فَإِنَّ هَذَا مُتَكَرِّرٌ فِي الطُّرُقَاتِ لَا يُمْكِنُ حِفْظُ الْخُفِّ مِنْهُ وَيُمْكِنُ حِفْظُ الثِّيَابِ وَيُخَالِفُ هَذَا الْعَذِرَةُ وَبَوْلُ النَّاسِ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي وَسَطِ الطُّرُقِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا الْمُسْتَرَاحُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ لُحُومَ الْحُمُرِ مَكْرُوهَةٌ فَلِأَنَّ أَرْوَاثَهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّمَا هِيَ مَكْرُوهَةٌ وَلَا يُمْكِنُ حِفْظُ الْخِفَافِ مِنْهَا مَعَ أَنَّ الْخُفَّ يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ فِي الْخُفِّ فَهَلْ يُجْزِئُ ذَلِكَ فِي النَّعْلِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ وَرَوَى عِيسَى أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ فَرَّقَ بَيْنَ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَسْحَ يُجْزِئُ فِيهِمَا فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ لَا تَلْحَقُ بِنَزْعِهِمَا فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْخُفِّ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْغَسْلَ يُفْسِدُ النَّعْلَيْنِ كَالْخُفِّ.
(مَسْأَلَةٌ) :
أَمَّا الرِّجْلُ فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا وَعِنْدَنَا أَنَّ الْمَسْحَ يُجْزِئُ فِيهَا بَعْدَ إزَالَةِ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُبِيحَةَ لِمَسْحِ الْخُفِّ تَكَرُّرٌ لِهَذِهِ الْعَيْنِ وَعَدَمُ خُلُوِّ الطُّرُقَاتِ مِنْهَا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقَدَمِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِغَسْلِ الْقَدَمِ لِأَنَّ الْغَسْلَ لَا يُفْسِدُهَا وَبِمَسْحِ الْخُفِّ لِأَنَّ الْغَسْلَ يُفْسِدُهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الدَّمُ عَلَى السَّيْفِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَمْسَحُ وَيُصَلِّي بِهِ وَقَدْ عَلَّلَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ذَلِكَ بِصِقَالَتِهِ وَأَنَّ النَّجَاسَةَ تَزُولُ عَيْنُهَا وَأَثَرُهَا بِمَسْحِهِ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ إنَّ الَّذِي يَبْقَى مِنْهُ فِيهِ يَسِيرٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَأَثَرِ الْمَحَاجِمِ وَهَذَا آكِدٌ لِأَنَّ السَّيْفَ يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ وَالْحَاجَةُ إلَى مُبَاشَرَةِ الدِّمَاءِ مُتَكَرِّرَةٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِمَا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ يُرِيدُ أَنَّ الْفَاعِلَ لِذَلِكَ لَا يُخَالِفُ السُّنَّةَ الْمُبَاحَةَ وَلَا يَخْرُجُ وَإِنْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ وَقَوْلُهُ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْثِرُ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَفْعَلَ الْمَضْمَضَةَ كُلَّهَا وَالِاسْتِنْثَارَ كُلَّهُ مِنْ غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَجْمَعَ كُلَّ مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْثَارَةٍ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَأْتِي بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْثَارِ فِي ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ تَفْرِيقَ ذَلِكَ أَوْلَى عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْثَارَةٍ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَأْتِيَ بِهِمَا فِي ثَانِيَةٍ ثُمَّ فِي ثَالِثَةٍ فَيَفْعَلَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَضْمَضَةِ عَلَى النَّسَقِ فِي ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ثُمَّ يَأْتِيَ بِالِاسْتِنْشَاقِ عَلَى نَسَقٍ فِي ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ فَيَأْتِيَ