أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ ، حَدَّثَنَا أَبُو الُوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ ، يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَدْرِ النَّهَارِ ، فَجَاءَ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ عَلَيْهِمْ سُيُوفٌ ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيَّرَ لِمَا رَأَى مِنْهُمْ مِنَ الْفَاقَةِ ، قَالَ : فَدَخَلَ ، فَأَمَرَ بِلالا ، فَأَذَّنَ ، ثُمَّ أَقَامَ ، فَخَرَجَ ، فَصَلَّى ، ثُمَّ قَالَ : " يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا سورة النساء آية 1 ، اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ سورة الحشر آية 18 ، يَتَصَدَّقُ امْرُؤٌ مِنْ دِينَارِهِ ، وَمِنْ دِرْهَمِهِ ، وَمِنْ ثَوْبِهِ ، وَمِنْ صَاعِ بُرِّهِ ، وَمِنْ صَاعِ شَعِيرِهِ " ، حَتَّى ذَكَرَ شِقَّ تَمْرَةٍ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ تَعْجِزُ كَفَاهُ ، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوْمَيْنِ مِنَ الثِّيَابِ وَالطَّعَامِ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَهَلَّلَ حَتَّى كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ، ثُمَّ قَالَ : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً ، فَعَمِلَ بِهَا مَنْ بَعْدَهُ ، كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ ، وَمَنْ سَنَّ سَنَّةً سَيِّئَةً ، فَعَمِلَ بِهَا مَنْ بَعْدَهُ ، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا ، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ " ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : هَذَا الْخَبَرُ دَالٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلا : لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى سورة الأنعام آية 164 أَرَادَ بِهِ بَعْضَ الأَوْزَارِ لا الْكَلَّ ، إِذْ أَخْبَرَ الْمُبَيِّنُ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلا فِي كِتَابِهِ أَنَّ مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً ، فَعَمِلَ بِهَا مَنْ بَعْدَهُ ، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ ، فَكَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا قَالَ : لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى إِلا مَا أَخْبَرَكُمْ رَسُولِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا تَزِرُ ، وَالْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ، وَلا خَصَّ عُمُومَ الْخِطَابِ بِهَذَا الْقَوْلِ إِلا مِنَ اللَّهِ ، شَهِدَ اللَّهُ لَهُ بِذَلِكَ ، حَيْثُ قَالَ : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى سورة النجم آية 3 - 4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ جَلَّ وَعَلا : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ سورة الأنفال آية 41 ، فَهَذَا خَطَّابٌ عَلَى الْعُمُومِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى سورة الأنعام آية 164 ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَتَلَ قَتِيلا فَلَهُ سَلَبُهُ " ، فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ السَّلَبَ لا يُخَمَّسُ ، وَأَنَّ الْقَلِيلَ يَكُونُ مُنْفَرِدًا بِهِ ، فَهَذَا تَخْصِيصُ بَيَانٍ لِذَلِكَ الْعُمُومِ الْمُطَلَقِ .