قلت: أما إعراب المثنى بالحروف؛ فلأن التثنية لما كانت كثيرة الدوران في الكلام ناسب أن تستتبع أمرين:
خفة العلامة الدالة عليها، وترك الإخلال بظهور الإعراب، احترازًا عن تكثير اللبس، فجعلت علامة التثنية ألفًا، لأنها أخف الزوائد، ومدلول بها على التثنية مع الفعل: اسمًا في نحو: أفعلا، وحرفًا في نحو: فعلا أخواك، وجعل الإعراب بالانقلاب؛ لأن التثنية مطلوب فيها ظهور الإعراب.
والألف لا يمكن عليها ظهور الحركة، فلجئ إلى الإعراب بقرار الألف على صورتها في حالة الرفع.
فإذا دخل عليها عامل الجر قلبوا الألف ياء لمكان المناسبة، وأبقوا الفتحة قبلها، إشعارًا بكونها ألفًا في الأصل، وحملوا النصب على الجر، لأن قلب الألف في النصب إلى غير الياء غير مناسب، فلم يبق إلا حمل النصب على الرفع أو الجر، فكان حمله على الجر أولى؛ لأنه مثله في الورود فضلة في الكلام.
تقول في الرفع: جاءني الزيدان، فالألف علامة التثنية من حيث هي زيادة في الآخر، لدلالتها على التثنية، وعلامة الرفع أيضًا من حيث هي على صورتها في أول الوضع.
وتقول في الجر: مررت بالزيدين، فالياء علامة التثنية من حيث هي زيادة في الآخر لمعنى التثنية، وعلامة الجر أيضًا من حيث هي منقلبة عن ألف.
وتقول في النصب: رأيت الزيدين، والقول فيه كالقول في الجر.
وأما النون فإنما لحقت المثنى عوضًا عما فاته من الإعراب بالحركات، ومن دخول
١٤ التنوين // عليه، وكسرت على الأصل في التقاء الساكنين.
وأما حذف النون في الإضافة، دون غيرها، فللتنبيه على التعويض، فحذفت في الإضافة نظرًا إلى التعويض بها عن التنوين، ولم تحذف مع الألف واللام، وإن كان التنوين يحذف معهما نظرًا إلى التعويض بها عن الحركة أيضًا.
فإن قيل: لم كان لـ (كلا وكلتا) حالان في الإعراب: الإجراء مجرى المثنى، والإعراب بالحركات المقدرة؟ ولم خص إجراؤها مجرى المثنى بحال الإضافة إلى المضمر؟
قلت: (كلا وكلتا) اسمان ملازمان للإضافة، ولفظهما مفرد، ومعناهما مثنى ولذلك أجيز في ضميريهما اعتبار المعنى فيثنى، واعتبار اللفظ فيفرد.