ومذهب البصريين: أن (من) حقيقة في ابتداء الغاية في المكان، وإن استعملت في ابتداء الغاية في الزمان فمجاز.
ولذلك تسمعهم يقولون في مثل قوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى ن أول يومٍ) التوبة /١٠٨ تقديره: من تأسيس أول يوم.
وتجيء (من) للتعليل، نحو قوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل) المائدة /٣٢، وقول الشاعر: من البسيط
٣١٨ - يغضي حياءً ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم
وتجيء زائدة جارة لنكرة، بعد نفي نحو: (ما لباغٍ من مفر) وقوله تعالى: (وما من إله إلا الله) آل عمران /٦٢. أو نهي، أو استفهام نحو قوله تعالى: (هل من خالقٍ غير الله) فاطر /٣.
ويروى عن الأخفش جواز زيادتها في الإيجاب، وأنشد الشيخ مستشهدًا له قول الشاعر: من الطويل
٣١٩ - وكنت أرى كالموت من بين ساعةٍ ... فكيف ببينٍ كان موعده الحشر
١٤٢ // وقول الآخر: من الطويل
٣٢٠ - يظل به الحرباء يمثل قائمًا ... ويكثر فيه من حنين الأباعر
ولا حجة فيهما، لإمكان كون (من) في البيت الأول لابتداء الغاية، والكاف قبلها اسم.
والمعنى: وكنت أرى من بين ساعةٍ حالا مثل الموت، على حد قولهم: رأيت منك أسدًا.